لقاء على جسر الفراق... قصة قصيرة بقلم محمد زهرة (الجزء الأول)

لم يكن الشتاء هذه المرة على عادته القديمة... لم يكن صاخب الإلحاح على الجنوح صوب أي من بقاع الدفء.. بل كان مصمما على أن يبقى بعيدا كل البعد عما يثير الشكوك حول بروده الأصيل...

وتحت المطر الذي بات يقرع كل ما سكن وتحرك، ويزيل طبقات من الماضي والحنين ويحيلها إلى ذوبان باهت.. والرياح تتلاعب جيئة وذهابا بما تبقى من أوشحة الاستتار من الحقيقة تكاد تقذفها إلى حيث لا رجعة.. والسماء مظلمة تترقب انقشاعا وشيكا لأقنعة الشك عن وجوه الغيب..

كان هذا موعد لقائهما الذي وضعا له السيناريو وتكفل القدر بإخراجه على نحو بارع الملائمة... وكيف لا والقدر دائما ناقل الصور من شريطها الصامت إلى شاشة الحركة بما يمليه متخفيا دون تورط في وضع اسمه على الواجهة...

هي قد انتهت من التأهب لمشهد لا تشك في أنه الأخير.. ولم تكن لهذه القناعة أية شفاعة لدى أنوثتها التي تأبى شغل المقاعد الخلفية أيا كانت القصة التي تحضرها.. بل إنها تمادت هذه المرة في تجميل المظهر راجية- ربما- طمس خطوط الألم التي ترتسم على كيانها بوشم من التجميل الموخز لنبضات الحنين كي تهدأ وتقرّ...

حملت حقيبتها وهاتفها ولم تنسَ مظلتها المطوية لحين حاجة حتمية لها في هذه الأجواء القاسية وخرجت للموعد.. استقلت سيارتها الخاصة وإذ هي تهيئها للإقلاع إلى شطوط اللاعودة جلست تستمع بعض الموسيقى... وأي شيء غير الموسيقى يحملنا برشاقة إلى عوالم الخيال دون فرض لرأي أو احتكار لتصور... ها هي الموسيقى ذاتها التي رافقت تعارفهما.. ها هي النغمات التي لطالما نقشت في نوتة القلب فمتى نبضَ عزفَها.. ولكن الآن قد تحولت أصابع البيانو الرقيقة إلى أكف تسجّي الحلم بلامبالاة سوداء.. واجتمعت أوتار الكمان المرهفة بكل قسوة لتقبض على عنق الأمل قبضة أخيرة.. وتسارع قرع الإيقاع في الإيذان بساعة الحرب.. الحرب مع من؟ معه؟! مع نفسها؟! ترى هل يختلف الأمر كثيرا بين أن تتورط في الحرب مع نفسك وأن تتورط فيها مع من تحب؟! إنها جدلية شيطانية الحيرة: هل تفقد لتحيا أو تتمسك حتى تموت؟! الذات والحبيب وجهان للوجود متى اختفى أحدهما برزت سوءة الآخر وتعمقت وحدته وأصبح كالكهل الذي انكسرت عصاه يتوكأ على هواء الوهم حتى يسقط أمام أول مرآة للحقيقة يعاين فيها بشاعة ما آل إليه.. جلست وسط هذا التزاحم المضطرد للأفكار التي تبحث عن نافذة.. نافذة لاستشراف أفق للتصالح مع نفسها عبر أحد الحلول أو القفز الحر نحو الانتحار إذا ما استمر غياب هذا الأفق!

أما هو فقد أفاق متأخرا من نومه كعادته أيام إجازاته.. أو لنقل كعادته منذ أن أصبح الاستيقاظ مواجهة مع النفس يتحاشاها لحين أن تفرضها عليه الساعات.. هذا اليوم الطويل ترى متى يجر أذياله منطفئا عن كشف المزيد من تراجيديا الحياة؟! .. هذه التراجيديا المكممة بستار الترقب الملوّن بنية الانقضاض! ساورته فكرة وهو ينظر من نافذته المبللة بقطرات المطر وما صاحبها من شوائب قصدت الأمطار أشياءها لتزيحها عنها فحمّلتها الأخرى ذات الشوائب.. ربما احتفاءً أحمقا مفلسا بصنيعها الجميل.. أو ربما عارًا أبديا ألحقته بها لإحسانها الساذج إليها: إن هذا اليوم يبدو غير مواتٍ لأي لقاء.. لقد أعفتنا الأقدار من عبء الاعتذار ومغبة اللقاء فلم نرفض هذه الهدية المبللة بسخاء السماء؟! سأتصل بها لألغي هذا الموعد فهذه الأجواء تثير في نفسي كآبة تضاف إلى كآبة اللقاء وأنا في غنى عن كل أصناف الكآبة لأزمان طويلة قادمة.. نظر إلى ساعته التي لوحت له عقاربها بالرفض مستهجنة فكرته المـتأخرة.. نعم، إن القرار جد متأخر فهي الآن في طريقها –لا شك- وليس من المروءة أو الذوق أن تترك فتاة كانت حبيبتك -أو لم تكن حتى- تخرج في هذا الخضم من غضب الطقس للقائك لتجد نفسها وحدها مع مقعد فارغ إلا من صورة الشعور بالإحباط والإهمال الجاثمة أمامها.. حسن! يبدو أن الأقدار مصرة على ألا تعفينا من أي شيء حتى النهاية!

تم الجزء الأول...

محمد زهرة
20 يوليو 2009

محمد شوقتنا كتير بدنا الجزء الثاني باسرع وقت
والا كمان مش حلو استنى كتير صح

تحياااتي

شمس

شكرا محمد على الكمات
منتضرين الجزء الثاني
تحياتي
عيوشه

مرحبا محمد
تسلم ايديك على هالقصه الرائعه
والوصف المتقن لأدق تفاصيل المشهد
كالعادة كلماتك مؤثرة جدا وأكثر ما أثر بي
الذات والحبيب وجهان للوجود متى اختفى أحدهما برزت سوءة الآخر وتعمقت وحدته وأصبح كالكهل الذي انكسرت عصاه يتكأ على هواء الوهم حتى يسقط أمام أول مرآة للحقيقة يعاين فيها بشاعة ما آل إليه..
وصف رائع لواقع مؤلم جدا
بانتظار التتمه على أحر من الجمر فلا تتأخر علينا

شكرا شموسة على مرورك البرّاق دائما والتتمة ستكون في أقرب موعد يسمح لي به النظم بزيارة النثر ولا يرضيني طول انتظارك إلا كما يُرضي برد الشتاء انتظار شعاع النهار

عيوشة شكرا لذوقك... كذلك انتظري التتمة... إن شاء الله قبل ما هنود ترجع ههههه

ميرو رائعة أنت دائما بكيميائك العالية مع مضامين النصوص وحسها وزخارفها... دمتِ بذوق ورهف

الجزء الثاني سيكون حافلا بالمفاجآت والتفسيرات لعناصر الجزء الأول

محبتي وتقديري
محمد زهرة

أخ محمد أبدعت بكل حرف وكل كلمة
يعطيك ألف عافية كاتبنا الرائع
بانتظار الجزء الثاني
تحياتي
منمن

مرحبا اخ محمد زهرة

قصة جميلة وحلقة البدء مشجعة ’ ورائعة
ولكنك شوقتنا الى التتمة وتركتنا نرسم الاحداث ونترقب

وينك يا محمد وين الحلقة الثانية
crying

اتمنى الا تتاخر علينا اكثر
نحن بانتظار قلمك الغالي فلا تبخل علينا اكثر

مع سلامي