التجمع العالمي لمحبي الموسيقار كاظم الساهر |
|
| رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 11/10/2010, 13:31 | |
| تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :رجال ليسوا كالرجال , هم مصابيح الهدى و مشاعل تنير لناعتمة طريقنا في هذه الحياة , نجوم ضوؤها يملأ فضاءات الكون الفسيح كانوا رجالاً حول رسولنا و حبيبنا محمدصلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بهم ارتفعت رايات الحق و سطروا لمن بعدهم أروع الأمثلة في الإخلاص و العمل و العزم والقوة في الحق , باعواانفسهم لله فربحوا البيع فكان حقا على من بعدهم ان يهتدي بهديهم و يسير على أثرهم و يتتبع خطاهم صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم رضوان الله عليهم أجمعين لكل منهم تجليات يجب ان نسلط الضوء عليه و نستنير بها --------------------------------------------------- مصعب بن عمير أول سفراء الاسلام
هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.غرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..ذلك الفتر الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء..؟بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير", أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..ولكن أي واحد كان..؟ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم.."محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد. وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها, ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه, كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه, زينة المجالس والندوات, تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها, ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب.. ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه, يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد, ولا التلبث والانتظار, بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن, ويصلي معهم لله العليّ القدير. ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه, ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة, حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه, وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج, والفؤاد المتوثب, فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره, ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!**
كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها, وكانت تهاب الى حد الرهبة..ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه.فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها, استحالت هولا يقارعه ويصارعه, لاستخف به مصعب الى حين..أما خصومة أمه, فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!ولقد فكر سريعا, وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.وظل يتردد على دار الأرقم, ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو قرير العين بايمانه, وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا.. ولكن مكة في تلك الأيام بالذات, لا يخفى فيها سر, فعيون قريش وآذانها على كل طريق, ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة, الواشية..ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فسابق ريح الصحراء وزوابعها, شاخصا الى أم مصعب, حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها... ووقف مصعب أمام أمه, وعشيرته, وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته, القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم, ويملؤها به حكمة وشرفا, وعدلا وتقى. وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية, ولكن اليد التي امتدت كالسهم, ما لبثت أم استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام, وهدوءا يفرض الاقناع..ولكن, اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى, فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها, وحبسته فيه, وأحكمت عليه اغلاقه, وظل رهين محبسه ذاك, حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة, فاحتال لنفسه حين سمع النبأ, وغافل أمه وحراسه, ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا..ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين, ثم يعود معهم الى مكة, ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من اعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم.. خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, تألقا وعطرا..وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال:" لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!! لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها..!!ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا..وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه اني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله الا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"...أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!!وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...**
وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله, ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب..وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا.. لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم "مصعب ابن عمير".لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها. عرف أنه داعية الى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعو الناس الى الهدى, والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه الا البلاغ.. هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يغشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد)..ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه.. ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمهاو اذا حتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون.. أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..وقف اسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:"ما جاء بكما الى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!وفي مثل هدوء البحر وقوته..وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!! كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:"يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله الا الله".فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله الا الله, وأن محمدا رسول الله..وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت باسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير, وسعد ابن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا الى مصعب, فلنؤمن معه, فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!**
لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحا هو له أهل, وبه جدير..وتمضي الأيام والأعوام, ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة, وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها, لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر, قيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون الى الثأر,و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم, ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير, فيتقدم ويحمل اللواء..وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام, ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين, لكن عملهم هذا, سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل, وتعمل فيهم على حين غرّة, السيوف الظامئة المجنونة..حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين, ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر, فرفع اللواء عاليا, وأطلق تكبيرة كالزئير, ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه, وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل, ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..يد تحمل الراية في تقديس..ويد تضرب بالسيف في عنفزان..ولكن الأعداء يتكاثرون عليه, يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول..لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الختام في حياة مصعب العظيم..!!يقول ابن سعد: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري, عن أبيه قال:[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب, فأقبل ابن قميئة وهو فارس, فضربه على يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه, فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح, ووقع مصعب, وسقط اللواء].وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!وقع حلية الشهادة, وكوكب الشهداء..!!وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..كان يظن أنه اذا سقط, فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل)هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها, ويكملها, ويجعلها, قرآنا يتلى..**
وبعد انتهاء المعركة المريرة, وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا, وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء, فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله, وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!**
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..وعند جثمان مصعب, سالت دموع وفيّة غزيرة..يقوا خبّاب بن الأرت:[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله, نبتغي وجه الله, فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى, ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة.. فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه, واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه, واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر"..]..وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة, وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام, وأوجع فؤاده..وعلى الرغم مما امتلأت أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..على الرغم من كل هذا, فقد وقف على جثمان أول سفرائه, يودعه وينعاه..أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بها وقال لقد رأيتك بمكة, وما بها أرق حلة, ولا أحسن لمّة منك. "ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة"..؟!وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:"ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:"أيها الناس زوروهم,وأتوهم, وسلموا عليهم, فوالذي نفسي بيده, لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة, الا ردوا عليه السلام"..**
السلام عليك يا مصعب..السلام عليكم يا معشر الشهداء..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عدل سابقا من قبل إيمان في 14/11/2010, 14:52 عدل 3 مرات | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 11/1/2011, 08:47 | |
| [size=18] جعفر بن أبي طالب أشبهت خلقي, وخلقي انظروا جلال شبابه..انظروا نضارة اهابه.. انظروا أناته وحلمه, حدبه, وبرّه, تواضعه وتقاه.. انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف.. وجوده الذي لايخاف الفقر.. انظروا طهره وعفته.. انظروا صدقه وأمانته... انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن, والفضيلة, والعظمة, ثم لا تعجبوا, فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول خلقا, وخلقا.. أنتم أمام من كنّاه الرسول بـ أبي المساكين.. أنت تجاه من لقبه الرسول بـ ذي الجناحين.. أنتم تلقاء طائر الجنة الغريد, جعفر بن أبي طالب..!! عظيم من عظماء الرعيل الأول الذين أسهموا أعظم اسهام في صوغ ضمير الحياة..!! أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما, آخذا مكانه العالي بين المؤمنين المبكرين.. وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميس.. وحملا نصيبهما من الأذى ومن الاضطهاد في شجاعة وغبطة.. فلما اختار الرسول لأصحابه الهجرة الى الحبشة, خرج جعفر وزوجه حيث لبثا بها سنين عددا, رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة محمد, وعبد الله, وعوف... وفي الحبشة كان جعفر بن أبي طالب المتحدث اللبق, الموفق باسم الاسلام ورسوله.. ذلك أن الله أنعم عليه فيما أنعم, بذكاء القلب, واشراق العقل, وفطنة النفس, وفصاحة اللسان.. ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد.. أروع أيامه وأمجاده وأخلدها.. فان يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي بالحبشة, لن يقلّ روعة ولا بهاء, ولا مجدا.. لقد كان يوما فذّا, ومشهدا عجبا... وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها, ولم يذهب من غيظها, ولم يطامن من أحقادها, هجرة المسلمين الى الحبشة, بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم, ويتكاثر طمعهم.. وحتى اذا لم تواتهم فرصة التكاثر والقوّة, فقد عز على كبريائها أن ينجو هؤلاء من نقمتها, ويفلتوا من قبضتها.. يظلوا هناك في مهاجرهم أملا رحبا تهتز له نفس الرسول, وينشرح له صدر الاسلام.. هنالك قرر ساداتها ارسال مبعوثين الى النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة, ويحملان رجاءهما في أن يخرج هؤلاء الذين جاؤوا اليها لائذين ومستجيرين... وكان هذان المبعوثان: عبدالله بن أبي ربيعة, وعمرو بن العاص, وكانا لم يسلما بعد... كان النجاشي الذي كان يجلس أيامئذ على عرش الحبشة, رجلا يحمل ايمانا مستنيرا.. وكان في قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية, بعيدة عن الانحراف, نائية عن التعصب والانغلاق... وكان ذكره يسبقه.. وسيرته العادلة, تنشر غبيرها في كل مكان تبلغه. من أجل هذا, اختار الرسول صلى الله عليه وسلم بلاده دار هجرة لأصحابه.. ومن أجل هذا, خافت قريش ألا تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة للأساقفة, وكبار رجال الكنيسة هناك, وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاألا يقابلا النجاشي حتى يعطيا الهدايا للبطارقة أولا, وحتى يقنعاهم بوجهة نظرهما, ليكونوا لهم عونا عند النجاشي. وحطّ الرسولان رحالهما بالحبشة, وقابلا بها الزعماء الروحانيين كافة, ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها اليهم.. ثم أرسلا للنجاشي هداياه.. ومضيا يوغران صدور القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين, ويستنجدان بهم لحمل النجاشي, ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها. وفي وقار مهيب, وتواضع جليل, جلس النجاشي على كرسيه العالي, تحفّ به الأساقفة ورجال الحاشية, وجلس أمامه في البهو الفسيح, المسلمون المهاجرون, تغشاهم سكينة الله, وتظلهم رحمته.. ووقف مبعوثا قريش يكرران الاتهام الذي سبق أن ردّداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذ الاجتماع الحاشد الكبير: " أيها الملك.. انه قد ضوى لك الى بلدك غلمان سفهاء, فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك, بل جاؤوا بدين ابتدعوه, لا نعرفه نحن ولا أنت, وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم, أعمامهم, وعشائرهم, لتردّهم اليهم"... وولّى النجاشي وجهه شطر المسلمين, ملقيا عليهم سؤاله: " ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم, واستغنيتم به عن ديننا"..؟؟ ونهض جعفر قائما.. ليؤدي المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ابّان تشاورهم, وقبل مجيئهم الى هذا الاجتماع.. نهض جعفر في تؤدة وجلال, وألقى نظرات محبّة على الملك الذي أحسن جوارهم وقال: " يا أيها الملك. كنا قوما أهل جاهلية: نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف, حتى بعث الله الينا رسولا منا, نعرف نسبه وصدقه, وأمانته, وعفافه, فدعانا الى الله لنوحّده ونعبده, ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان.. وأمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وصلة الرحم, وحسن الجوار, والكفّ عن المحارم والدماء.. ونهانا عن الفواحش, وقول الزور, وأكل مال اليتيم, وقذف المحصنات.. فصدّقناه وآمنّا به, واتبعناه على ما جاءه من ربه, فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا, وحرّمنا ما حرّم علينا, وأحللنا ما أحلّ لنا, فغدا علينا قومنا, فعذبونا وفتنونا عن ديننا, ليردّونا الى عبادة الأوثان, والى ما كنّا عليه من الخبائث. فلما قهرونا, وظلمونا, وضيّقوا علينا, وحالوا بيننا وبين ديننا, خرجنا الى بلادك ورغبنا في جوارك, ورجونا ألا نظلم عندك"... ألقى جعفر بهذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر, فملأت نفس النجاشي احساسا وروعة, والتفت الى جعفر وساله: " هل معك مما أنزل على رسولكم شيء"..؟ قال جعفر: نعم.. قال النجاشي: فاقرأه علي.. ومضى جعفر يتلو الآيات من سورة مريم, في أداء عذب, وخشوع فبكى النجاشي, وبكى معه أساقفته جميعا.. ولما كفكف دموعه الهاطلة الغزيرة, التفت الى مبعوثي قريش, وقال: " ان هذا, والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة.. انطلقا فلا والله, لا أسلمهم اليكما"..!! انفضّ الجميع, وقد نصر الله عباده وآزرهم, في حين رزئ مندوبا قريش بهزيمة منكرة.. لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة, لا يتجرّع الهزيمة, ولا يذعن لليأس.. وهكذا لم يكد يعود مع صاحبه الى نزلهما, حتى ذهب يفكّر ويدبّر, وقال لزميله: " والله لأرجعنّ للنجاشي غدا, ولآتينّه عنهم بما يستأصل خضراءهم". وأجابه صاحبه: " لا تفعل, فان لهم أرحاما, وان كانوا قد خالفونا".. قال عمرو: " والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد, كبقية العباد".. هذه اذن هي المكيدة الجديدة الجديدة التي دبّرها مبعوث قريش للمسلمين كي يلجئهم الى الزاوية الحادة, ويضعهم بين شقّي الرحى, فان هم قالوا عيسى عبد من عباد الله, حرّكوا ضدهم أضان الملك والأساقفة.. وان هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم...!! وفي الغداة أغذا السير الى مقابلة الملك, وقال له عمرو: " أيها الملك: انهم ليقولون في عيسى قولا عظيما". واضطرب الأساقفة.. واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة.. ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح.. وعلم المسلمون بالمؤامرة الجديدة, فجلسوا يتشاورون.. ثم اتفقوا على أن يقولوا الحق الذي سمعوه من نبيهم عليه الصلاة والسلام, لايحيدون عنه قيد شعرة, وليكن ما يكن..!! وانعقد الاجتماع من جديد, وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر: "ماذا تقولون في عيسى"..؟؟ ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال: " نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبدالله ورسوله, وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه".. فهتف النجاشي مصدّقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح عن نفسه.. لكنّ صفوف الأساقفة ضجّت بما يشبه النكير.. ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين: " اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي, ومن سبّكم أو آذاكم, فعليه غرم ما يفعل".. ثم التفت صوب حاشيته, وقال وسبّابته تشير الى مبعوثي قريش: " ردّوا عليهما هداياهما, فلا حاجة لي بها... فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي, فآخذ الرشوة فيه"...!! وخرج مبعوثا قريش مخذولين, حيث وليّا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائدين اليها... وخرج المسلمون بزعامة جعفر ليستأنفوا حياتهم الآمنة في الحبشة, لابثين فيها كما قالوا:" بخير دار.. مع خير جار.." حتى يأذن الله لهم بالعودة الى رسولهم واخوانهم وديارهم... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفل مع المسلمين بفتح خيبر حين طلع عليهم قادما من الحبشة جعفر بن أبي طالب ومعه من كانوا لا يزالون في الحبشة من المهاجرين.. وأفعم قلب الرسول عليه الصلاة والسلام بمقدمه غبطة, وسعادة وبشرا.. وعانقه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " لا أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر.. أم بقدوم جعفر..". وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الى مكة, حيث اعتمروا عمرة القضاء, وعادوا الى المدينة, وقد امتلأت نفس جعفر روعة بما سمع من انباء اخوانه المؤمنين الذين خاضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بدر, وأحد.. وغيرهما من المشاهد والمغازي.. وفاضت عيناه بالدمع على الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وقضوا نحبهم شهداء أبرار.. وطار فؤداه شوقا الى الجنة, وأخذ يتحيّن فرصة الشهادة ويترقب لحظتها المجيدة..!! وكانت غزوة مؤتة التي أسلفنا الحديث عنها, تتحرّك راياتها في الأفق متأهبة للزحف, وللمسير.. ورأى جعفر في هذه الغزوة فرصة العمر, فامّا أن يحقق فيها نصرا كبيرا لدين الله, واما أن يظفر باستشهاد عظيم في سبيل الله.. وتقدّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا.. كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة.. بل ولا حربا صغيرة, انما هي حرب لم يخض الاسلام منها من قبل.. حرب مع جيوش امبراطورية عريضة باذخة, تملك من العتاد والأعداد, والخبرة والأموال ما لا قبل للعرب ولا للمسلمين به, ومع هذا طار شوقا اليها, وكان ثالث ثلاثة جعلهم رسول الله قواد الجيش وأمراءه.. وخرج الجيش وخرج جعفر معه.. والتقى الجمعان في يوم رهيب.. وبينما كان من حق جعفر أن تأخذ الرهبة عنده عندما بصر جيش الروم ينتظم مائتي ألف مقاتل, فانه على العكس, أخذته نشوة عارمة اذا احسّ في أنفه المؤمن العزيز, واعتداد البطل المقتدر أنه سيقاتل أكفاء له وأندادا..!! وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين زيد بن حارثة, حتى تلقاها جعفر باليمين ومضى يقاتل بها في اقدام خارق.. اقدام رجل لا يبحث عن النصر, بل عن الشهادة... وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم, ورأى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل.. وراح يصوب سيفه ويسدده الى نحور أعدائه كنقمة القدر.. ولمح واحدا من األأعداء يقترب من فرسه ليعلو ظهرها, فعز عليه أن يمتطي صهوتها هذا الرجس, فبسط نحوها سيفه, وعقرها..!! وانطلق وسط الصفوف المتكالبة عليه يدمدم كالاعصار, وصوته يتعالى بهذا الزجر المتوهج: يا حبّذا الجنة واقترابها طيّبة, وبارد شرابها والروم روم, قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليّ اذا لاقيتها ضرابها وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل, وكانه جيش لجب.. وأحاطوا به في اصرار مجنون على قتله.. وحوصر بهم حصارا لا منفذ فيه لنجاة.. ]وضربوا بالسيوف يمينه, وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله.. وضربوها هي الأخرى, فاحتضن الراية بعضديه.. في هذه اللحظة تركّزت كل مسؤوليته في ألا يدع راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حيّ.. وحين تكّومت جثته الطاهرة, كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه, ونادت خفقاتها عبدالله بن رواحة فشق الصفوف كالسهم نحوها, واخذها في قوة, ومضى بها الى مصير عظيم..!! وهكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر..!! وهكذا لقي الكبير المتعال, مضمّخا بفدائيته, مدثرا ببطولاته.. وأنبأ العليم الخبير رسوله بمصير المعركة, وبمصير جعفر, فاستودعه الله, وبكى.. وقام الى بيت ابن عمّه, ودعا بأطفاله وبنيه, فشمّمهم, وقبّلهم, وذرفت عيناه.. ثم عاد الى مجلسه, وأصحابه حافون به. ووقف شاعرالاسلام حسّان بن ثابت يرثي جعفر ورفاقه: غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم الى الموت ميمون النقيبة أزهر أغرّ كضوء البدر من آل هاشم أبيّ اذا سيم الظلامة مجسر فطاعن حتى مال غير موسد لمعترك فيه القنا يتكسّر فصار مع المستشهدين ثوابه جنان, ومتلف الحدائق أخضر وكنّا نرى في جعفر من محمد وفاء وأمرا حازما حين يأمر فما زال في الاسلام من آل هاشم دعائم عز لا يزلن ومفخر وينهض بعد حسّان, كعب بن مالك, فيرسل شعره الجزل : وجدا على النفر الذين تتابعوا يوما بمؤتة, أسندوا لم ينقلوا صلى الاله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل صبروا بمؤتة للاله نفوسهم حذر الردى, ومخافة أن ينكلوا اذ يهتدون بجعفر ولواؤه قدّام أولهم, فنعم الأول حتى تفرّجت الصفوف وجعفر حيث التقى وعث الصفوف مجدّل فتغير القمر المنير لفقده والشمس قد كسفت, وكادت تأفل وذهب المساكين جميعهم يبكون أباهم, فقد كان جعفر رضي الله عنه أبا المساكين.. يقول أبو هريرة: " كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب"... أجل كان أجود الناس بماله وهو حيّ.. فلما جاء أجله أبى الا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه وحيته.. يقول عبدالله بن عمر: " كنت مع جعفر في غزوة مؤتة, فالتمسناه, فوجدناه وبه بضع وتسعون ما بين رمية وطعنة"..!! بضع وتسعون طعنة سيف ورمية رمح..؟؟!! ومع هذا, فهل نال القتلة من روحه ومن مصيره منالا..؟؟ أبدا.. وما كانت سيوفهم ورماحهم سوى جسر عبر عليه الشهيد المجيد الى جوار الله الأعلى الرحيم, حيث نزل في رحابه مكانا عليّا.. انه هنالك في جنان الخلد, يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح.. وان شئتم, فاسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد رأيته في الجنّة.. له جناحان مضرّجان بالدماء.. مصبوغ القوادم"...!!!
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 16/1/2011, 14:56 | |
| عبدالله بن رواحة
يا نفس, الا تقتلي تموتي
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة, يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى, كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء, حملة الاسلام الى المدينة, والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله, والاسلام..
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية, كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها, كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه, وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها, والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة, فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرةمنيرة, أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته, وشلّت حركة دهائه..!!
وكان ابن رواحة رضي الله عنه, كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا..
وكان شاعرا, ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..
ومنذ أسلم, وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..
وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..
جلس عليه السلام يوما مع أصحابه, وأقبل عبدالله بن رواحة, فسأله النبي:
" كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"..؟؟
فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..
ومضى على البديهة ينشد:
يا هاشم الخير ان الله فضّلكم
على البريّة فضلا ما له غير
اني تفرّست فيك الخير أعرفه
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو
في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصروا
فثّبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فسرّ الرسول ورضي وقال له:
" واياك, فثّبت الله"..
وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء
كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:
يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام ان لاقينا
ان الذين قد بغوا علينا اذا أرادوا فتنة ألبنا
وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..
وحزن الشاعر المكثر, حين تنزل الآية الكريمة:
( والشعراء يتبعهم الغاوون)..
ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:
( الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وذكروا الله كثيرا, وانتصروا من بعد ما ظلموا..)
وحين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه, يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:
" يا نفس الا تقتلي تموتي"..
وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:
خلوا بني الكفار عن سبيله
خلوا, فكل الخير في رسوله
**
وجاءت غزوة مؤتة..
وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء, كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..
ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..
وقف ينشد ويقول:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حرّان مجهرة بحربة تنفد الأحشاء والكبدا
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا
أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أ, طعنة رمح, تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!
**
وتحرّك الجيش الى مؤتة, وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل, اذ رأوا صفوفا لا آخر لها, وأعداد نفوق الحصر والحساب..!!
ونظر المسلمون الى عددهم القليل, فوجموا.. وقال بعضهم:
" فلنبعث الى رسول الله, نخبره بعدد عدوّنا, فامّا أن يمدّنا بالرجال, وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار, وقال لهم:
" يا قوم..
انّا والله, ما نقاتل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..
فانطلقوا.. فانما هي احدى الحسنيين, النصر أو الشهادة"...
وهتف المسلمون الأقلون عددا, الأكثرون ايمانا,..
هتفوا قائلين:
"قد والله صدق ابن رواحة"..
ومضى الجيش الى غايته, يلاقي بعدده القليل مائتي ألف, حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...
**
والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..
وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
وتلاه ثالث الأمراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته, وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب, الذي حشده هرقل..
وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي, كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..
أما الآن, وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته, فقد بدا أمام ضراوة الروم, وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب, لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..
أقسمت يا نفس لتنزلنّه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟
يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنّت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت
يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة: زيدا وجعفر..
"ان تفعلي فعلهما هديت.
انطلق يعصف بالروم عصفا..
ولولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة, لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة الى الله, فصعد شهيدا..
هوى جسده, فصعدت الى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..
وتحققت أغلى أمانيه:
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي
يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا
نعم يا ابن رواحة..
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!
**
وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة, يحادثهم ويحادثونه..
وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة, صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!
وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:
"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..
وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:
" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..
ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل, مطمئن, مشتاق. ثم قال:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
أيّة رحلة مجيدة كانت..
وأي اتفاق سعيد كان..
لقد خرجوا الى الغزو معا..
وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة, كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 24/1/2011, 13:50 | |
|
خالد بن الوليد
لا ينام ولا يترك أحدا ينام
ان أمره لعجيب..!!
هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام..!!
ألا فلنأت على قصته من البداية..
ولكن أية بداية..؟؟
انه هو نفسه, لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا..
ولو استطاع لنحّى عمره وحياته, كل ماسبق ذلك اليوم من سنين, وأيام..
فلنبدأ معه اذنمن حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله, وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن, وكلتا يديه يمين فنفجّرت شوقا الى دينه, والى رسوله, والى استشهاد عظيم في سبيل الحق, ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات..
**
لقد خلا يوما الى نفسه, وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا, وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين, فقال:
" والله لقد استقام المنسم....
وان الرجل لرسول..
فحتى متى..؟؟
أذهب والله, فأسلم"..
ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام, وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين:
".. وددت لو أجد من أصاحب, فلقيت عثمان بن طلحة, فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة, وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص, فقال مرحبا يا قوم,
قلنا: وبك..
قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه, وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.
فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق, فأسلمت وشهدت شهادة الحق..
فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير..
وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله..
فقال: ان الاسلام يجبّ ما كان قبله..
قلت: يا رسول الله على ذلك..
فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك..
وتقدّم عمرو بن العاص, وعثمان بن طلحة, فأسلما وبايعا رسول الله"...
**
أرأيتم قوله للرسول:" استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله"..؟؟
ان الذي يضع هذه العبارة بصره, وبصيرته, سيهتدي الى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام..
وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها-..
أما الآن, فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة الخيل فيها, لنرى داهية العرب كافة في دنيا الكرّ والفرّ, يعطي لآلهة أبائه وأمجاد قومه ظهره, ويستقبل مع الرسول والمسلمين عالما جديدا, كتب الله له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة التوحيد..
مع خالد اذن وقد أسلم, لنرى من أمره عجبا..!!!!
**
أتذكرون أنباء الثلاثة شهداء أبطال معركة مؤتة..؟؟
لقد كانوا زيد بن حارثة, وجعفر بن أبي طالب, وعبدالله بن رواحة..
لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل, والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير..
وتذكرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:
" أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا..
ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا".
كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة, ادّخرناها لمكانها على هذه الصفحات..
هذه البقيّة هي:
" ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله, ففتح الله علي يديه".
فمن كان هذا البطل..؟
لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش: زيد, وجعفر وعبدالله ابن رواحة, والذين اسشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية..
وبعد سقوط آخر القواد شهيدا, سارع الى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا تهز الفوضى صفوفه..
ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد, قائلا له:
" خذ اللواء يا أبا سليمان"...
ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..
أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير!!
هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم:
" لا آخذ اللواء, أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..
وأجابه ثابت:" خذه, فأنت أدرى بالقتال مني, ووالله ما أخذته الا لك".
ثم نادى في المسلمين: اترضون امرة خالد..؟
قالوا: نعم..
واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابا مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاجب سيقطعه البطل وثبا..
في حياة الرسول وبعد مماته, حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...
ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون, وجناحهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح, ظافر مدمدم..
ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا, فتجعل المغلوب غالبا, والغالب مغلوبا..
وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه, هو وقف الخسائر في جيش الاسلام, والخروج ببقيته سالما, أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.
بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان..
ولكن, اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد, ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!
هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر, ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه, والقتال دائر, الى مجموعات, ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة, خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى. بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال...!!
وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..
**
وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..
وعلى الجناح الأيمن من الجيش, يجعل الرسول خالدا أميرا..
ويدخل خالد مكة, واحدا من قادة الجيش المسلم, والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا..
وتخطر له ذكريات الطفولة, حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب, حيث ملاهيه الصاخبة..
ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..
وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تحت تحت روعة المشهد وجلاله..
مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول, يعودون الى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا, يعودون اليه على صهوات جسادهم الصاهلة, وتحت رايات الاسلام الخافقة.. وقد تحوّل همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس, الى تكبيرات صادعة رائعة ترجّ مكة رجّا, وتهليلات باهرة ظافرة, يبدو الكون معها, وكأنه كله في عيد...!!
كيف تمّت المعجزة..؟
أي تفسير لهذا الذي حدث؟
لا شيء الا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين:
(وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!!
ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في اجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه:
أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!
ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا, واحدا من الذين يحملون راية الاسلام الى مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام..
**
ويظل خالد الى جانب رسول الله, واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه, ونذر له كل حياته.
وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى, ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة, وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة, مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. الي أبي سليمان, سيف الله, خالد بن الوليد..!!
وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه, ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم الفصل, وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا, كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..
**
عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة, صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه, ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم. ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة, لا يؤكدها في رأيه الا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان, وبين جيوش الضلال والردة, والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..
ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة, على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض..
لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة, سواء بين قبائل العرب, أم على الحدود, حيث يجثم سلطان الروم والفرس, هذا السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الاسلام الأكبر عليه, فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!
ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد, وغطفان, وعبس, وطيء, وذبيان..
ثم في قبائل: بني عامر, وهوزان, وسليم, وبني تميم..
ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين..
واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين, وعمان, والمهرة, وواجه الاسلام أخطر محنة, واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن, كان هناك أبو بكر..!!
عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس, وبني مرّة, وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..
ودار القتال, وتطاول, ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..
ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..
وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني, ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم, ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة, ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له:
" الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟
اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:
لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."
وأمام اجماع مصمم من المسلمين, رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..
وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..
ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه, اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة, خالد ابن الوليد, سيف من سيوف الله. سلّه الله على الكفار والمنافقين"..
**
ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة, ومن نصر الى نصر حتى كانت المعركة الفاصلة..
فهناك باليمامة كان بنو حنيفة, ومن انحاز اليهم من القبائل, قد جيّشوا أخطر جيوش الردة قاطبة, يقوده مسيلمة الكذاب.
وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة, فلم تبلغ منه منالا..
وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد..
ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه, وجعل منه خطرا حقيقيا, وخصما رهيبا..
والتقى الجيشان:
وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ, سير تلك المعركة الهائلة, تأخذك رهبة مضنية, اذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها وجبروتها معارك حروبنا الحديثة, وان اختلّفت في نوع السلاح وظروف القتال..
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة, وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه, صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!
وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه, والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب, وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة..!!
وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء, فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة, ذكية وعميقة..
ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..
رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة, فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه.. فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته, وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة, ثم صاح بصوته المنتصر:
" امتازوا, لنرى اليوم بلاء كل حيّ".
وامتازوا جميعا..
مضى المهاجرون تحت راياتهم, والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم".
وهكذا صار واضحا تماما, من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة, اتّقدت مضاء, وامتلأت عزما وروعة..
وخالد بين الحين والحين, يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا, فتتحوّل سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها, ولا معوّق لغاياتها..
وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات, فالمئات فالألوف, كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!
لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده, وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة..
وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها, وقتل مسيلمة..
وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال, وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدّعيّ الكذاب..
**
وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر, اذ منحهم هذا النصر, وهذا البطل..
وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام..
امبرطوريتان خرعتان, تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب, بل وتسخرهم, وأكثرهم عرب, لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة, يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله, ويجتثون عفنه وفساده..!
هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..
ويمضي البطل الى العراق, وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره, اذن لرأينا من أمرها عجبا.
لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..
" بسم الله الرحمن الرحيم
من خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس..
السلام على من اتبع الهدى
أما بعد, فالحمد لله الذي فضّ خدمكم, وسلب ملككم, ووهّن كيدكم
من صلى صلاتنا, واستقبل قبلتنا, واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم, له ما لنا وعليه ما علينا
اذا جاءكم كتابي فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة
والا, فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة"..!!
وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّحوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق, فلم يضيّع وقته, وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيّا عجيبا.
في الأبلّة, الى السّدير, فالنّجف, الى الحيرة, فالأنبار, فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون.
أجل, الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم, ويسومونهم سوء العذاب..
وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قوّاته:
" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء, دعوهم في شغلهم آمنين, الا أن يخرج بعضهم لقتالكم, فآنئذ قاتلوا المقاتلين".
وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم الشام..
وهناك دوّت أصوات المؤذنين, وتكبيرات الفاتحين.
ترى هل سمع الروم في الشام..؟
وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم, وعالمهم..؟
أجل لقد سمعوا.. وفزّعوا.. وقرّروا أن يخوضوا في جنون معركة اليأس والضياع..!
**
كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..
فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة, واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة, أبو عبيدة بن الجراح, وعمرو بن العاص, ويزيد بن أبي سفيان, ثم معاوية بن أبي سفيان..
وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين, وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..
بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا:
" والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا"..
وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل, وأربعين ألفا.
وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر:
" والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"..!!!
وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك, تلقى أمر الخليفة بالزحف الى الشام, ليكون أميرا على جيوش الاسلام التي سبقته اليها..
وما اسرع ما امتثل خالد وأطاع, فترك على العراق المثنّى بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام, وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز, وبين يدي المعركة واللقاء, وقف في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه:
" ان هذا يوم من أيام الله, لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم, وتعالوا نتعاور الامارة, فيكون أحدنا اليوم أميرا, والآخر غدا, والآخر بعد غد, حتى يتأمّر كلكم"...
هذا يوم من أيام الله..
ما أروعها من بداية..!!
لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!
ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار, فعلى الرغم من أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه, فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه, فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة وجعلها دولة بينهم..
اليوم أمير, وغدا أميرثان.. وبعد غد أمير آخر..وهكذا..
كان جيش الروم بأعداده وبعتاده, شيئا بالغ الرهبة..
لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين, وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما, من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود, وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا..
ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات, فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه..!!
ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم, فقد قال أبو بكر, وهو بالرجال جدّ خبير:
" خالد لها".!!
وقال:" والله, لأشفينّ وساوسهم بخالد".
فليأت الروم بكل هولهم, فمع المسلمين الترياق..!!
عبأ ابن الوليد جيشه, وقسمه الى فيالق, ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها..
ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع, خطوة خطوة, وحركة حركة, حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة, لما أخطأ التقدير والحساب..!!
كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..
كل انسحاب تنبأ به فعلوه..
وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا, احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار, خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالاسلام, بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..
وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد, هو الثبات..
وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة, يمكن أن تشيع في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره...
من أجل هذا, كان صارما, تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا..
وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك, وبعد أن أخذ جيشه مواقعه, دعا نساء المسلمين, ولأول مرّة سلّمهن السيوف, وأمرهن, بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:
" من يولّي هاربا فاقتلنه"..
وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..
وبرز اليه خالد, حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين..
وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا"
" قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..
فان شئتم, أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير, وكسوة, وطعاما, وترجعون الى بلادكم, وفي العام القادم أبعث اليكم بمثلها".!!
وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه, وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب..
وقرر أن يرد عليه بجواب مناسب, فقال له:
" انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت, ولكننا قوم نشرب الدماء, وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم, فجئنا لذلك"..!!
ولوى البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال..
" الله أكبر"
" هبّي رياح الجنة"..
كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.
ودار قتال ليس لضراوته نظير..
وأقبل الروم في فيالق كالجبال..
ووجدوا من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون..
ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم..
فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول:
" اني قد عزمت على الشهادة, فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه"؟؟
فيجيب أبو عبيدة:
" نعم قل له: يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".
ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه, ويضرب بآلاف السيوف حتى يرتفع شهيدا..!!
وهذا عكرمة بن أبي جهل..
أجل ابن أبي جهل..
ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:
" لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله الاسلام, افأفرّ من أعداء الله اليوم"؟؟
ثم يصيح:" من يبايع على الموت"..
فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين, ثم ينطلقون معا الى قلب المعركة لا باحثين عن النصر, بل عن الشهادة.. ويتقبّل الله بيعتهم وبيعهم,
فيستشهدون..!!
وهؤلاء آخرون أصيبوا بجراح أليمة, وجيء لهم بماء يبللون به أفواههم, فلما قدم الماء الى أولهم, أشار الى الساقي أن أعط أخي الذي بجواري فجرحه أخطر, وظمؤه أشد.. فلما قدّم اليه الماء, اشار بدوره لجاره. فلما انتقل اليه أشار بدوره لجاره..
وهكذا, حتى.. جادت أرواح أكثرهم ظامئة.. ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا..!!
أجل..
لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها.
ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة, تلك اللوحة الفذة.. لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد على رأس مائة لا غير من جنده, ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي, وخالد يصيح في المائة الذين معه:
" والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد الا ما رأيتم.
واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم".
مائة يخوضون في أربعين ألف.. ثم ينتصرون..!!
ولكن أي عجب؟؟
أليس ملأ قلوبهم ايمان بالله العلي الكبير..؟؟
وايمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟؟
وايمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا, وهدى ونبلا؟
وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه, هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا, بينما هو في المدينة’ العاصمة الجديدة للعالم الجديد, يحلب بيده شياه الأيامى, ويعجن بيده خبز اليتامى..؟؟
وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر, والصلف, والبغي, والعدوان, وسيف الله المسلول على قوى التخلّف والتعفّن والشرك؟؟
أليس ذلك, كذلك..؟
اذن, هبي رياح النصر...
هبّي قويّة عزيزة, ظافرة, قاهرة...
**
لقد بهرت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم, مما حمل أحدهم, واسمه جرجه على أن يدعو خالدا للبروز اليه في احدى فترات الراحة بين القتال.
وحين يلتقيان, يوجه القائد الرومي حديثه الى خالد قائلا:
" يا خالد, أصدقني ولا تكذبني فان الحرّ لا يكذب..
هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه, فلا تسلّه على أحد الا هزمته"؟؟
قال خالد: لا..
قال الرجل:
فبم سميّت سيف الله"؟
قال خالد: ان الله بعث فينا نبيه, فمنا من صدّقه ومنا من كذّب. وكنت فيمن كذّب حتى أخذ الله قلوبنا الى الاسلام, وهدانا برسوله فبايعناه..
فدعا لي الرسول, وقال لي: أنت سيف من سيوف الله, فهكذا سميّت.. سيف الله".
قال القائد الرومي: والام تدعون..؟
قال خالد:
الى توحيد الله, والى الاسلام.
قال:
هل لمن يدخل في الاسلام اليوم مثل ما لكم من المثوبة والأجر؟
قال خالد: نعم وأفضل..
قال الرجل: كيف وقد سبقتموه..؟
قال خالد:
لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا, وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر..
أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه, ثم آمنتم بالغيب, فان أجركم أجزل وأكبر ان صدقتم الله سرائركم ونواياكم.
وصاح القائد الرومي, وقد دفع جواده الى ناحية خالد, ووقف بجواره:
علمني الاسلام يا خالد"".!!!
وأسلم وصلى ركعتين لله عز وجل.. لم يصلّ سواهما, فقد استأنف الجيشان القتال.. وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستميتا في طلب الشهادة حتى نالها وظفر بها..!!
وبعد, فها نحن أولاء نواجه العظمة الانسانية في مشهد من أبهى مشاهدها.. اذ كان خالد يقود جيوش المسلمين في هذه المعركة الضارية, ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلابا فذا, بقدر ما هو مضن ورهيب, واذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من الخليقة الجديد, أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. وفيه تحيّة الفاروق للجيش المسلم, نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه, وتولية أبي عبيدة بن الجرّاح مكانه..
قرأ خالد الكتاب, وهمهم بابتهالات الترحّم على ابي بكر والتوفيق لعمر..
ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح لأحد بما فيه وألزمه مكانا أمره ألا يغادره, وألا يتصل بأحد.
استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر, وأوامر عمر حتى يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا..
ودقّت ساعة الظفر, واندحر الروم..
وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا اليه تحيّة الجندي لقائده... وظنها أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي حققق نصرا لم يكن في الحسبان.. بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا, فقبّل خالد بين عينيه, وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه..
وثمّت رواية تاريخية أخرى, تقول: ان الكتاب أرسل من أمير المؤمنين عمر الى أبي عبيدة, وكتم أبو عبيدة النبأ عن خالد حتى انتهت المعركة..
وسواء كان الأمر هذا أو ذاك, فان مسلك خالد في كلتا الحالتين هو الذي يعنينا.. ولقد كان مسلكا بالغ الروعة والعظمة والجلال..
ولا أعرف في حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلاصه العميق وصدقه الوثيق, مثل هذا الموقف...
فسواء عليه أن يكون أميرا, أو جنديا..
ان الامارة كالجندية, كلاهما سبب يؤدي به واجبه نحو الله الذي آمن به, ونحو الرسول الذي بايعه, ونحو الدين الذي اعتنقه وسار تحت رايته..
وجهده المبذول وهو أمير مطاع.. كجهده المبذول وهو جندي مطيع..!
ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس, كما هيأه لغيره, طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة المسلمة والدولة المسلمة يوم ذاك..
أبو بكر وعمر..
اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان, حتى يخطر على البال كل معجز من فضائل الانسان, وعظمة الانسان..
وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بين عمر وخالد, فان نزاهة عمر وعدله,وورعه وعظمته الخارقة, لم تكن قط موضع تساؤل لدى خالد..
ومن ثم لم تكن قراراته موضع شك, لأن الضمير الذي يمليها, قد بلغ من الورع, ومن الاستقامة, ومن الاخلاص والصدق أقصى ما يبلغه ضمير منزه ورشيد..
**
لم يكن أمير المؤمنين عمر يأخذ على خالد من سوء, ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع, والحدّة..
ولقد عبّر عن هذا حين اقترح على أبي بكر عزله اثر مقتل مالك بن نويرة, فقال:
" ان في سيف خالد رهقا"
أي خفة وحدّة وتسرّع..
فأجابه الصدّيق قائلا:
" ما كنت لأشيم سيف سلّه الله على الكافرين".
لم يقل عمر ان في خالد رهقا.. بل جعل الرهق لسيفه لا لشخصه, وهي كلمات لا تنمّ عن أدب أمير المؤمنين فحسب, بل وعن تقديره لخالد أيضا..
وخالد رجل حرب من المهد الى اللحد..
فبيئته, ونشأته, وتربيته وحياته كلها, قبل الاسلام وبعده كانت كلها وعاء لفارس, مخاطر, داهية..
ثم ان الحاح ماضيه قبل السلام, والحروب التي خاضها ضد الرسول وأصحابه, والضربات التي أسقط بها سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة, وجباها عابدة, كل هذا كان له على ضميره ثقل مبهظ, جعل سيفه توّاقا الى أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حملة الاسلام..
وانكم لتذكرون العبارة التي أوردناها أوّل هذا الحديث والتي جاءت في سياق حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال له:
" يا رسول الله..
استغفر لي كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل الله".
وعلى الرغم من انباء الرسول صلى الله عليه وسلم اياه, بأن الاسلام يجبّ ما كان قبله, فانه يظل يتوسل على الظفر بعهد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله له فيما صنعت من قبل يداه..
والسيف حين يكون في يد فارس خارق كخالد بن الوليد, ثم يحرّك اليد القابضة عليه ضمير منوهج بحرارة التطهر والتعويض, ومفعم بولاء مطلق لدين تحيط به المؤامرات والعداوات, فان من الصعب على هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة, وحدّته الخاطفة..
وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه المتاعب.
فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح الى بعض قبائل العرب القريبة من مكة, وقال له:
" اني أبعثك داعيا لا مقاتلا".
غلبه سيفه على أمره ودفعه الى دور المقاتل.. متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله عليه السلام ينتفض جزعا وألما حين بلغه صنيع خالد.. وقام مستقبلا القبلة, رافعا يديه, ومعتذرا الى الله بقوله:
" اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد".
ثم أرسل عليّا فودى لهم دماءهم وأموالهم.
وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدالله بن حذافة السهمي قال له:
ان رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم عن الاسلام..
كان خالد يحمل طاقة غير عادية.. وكان يستبد به توق عارم الى هدم عالمه القديم كله..
ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه.
لو أننا نبصره وهو يدمدم بمعوله على هذه البناية الحجرية, لأبصرنا رجلا يبدو كأنه يقاتل جيشا بأسره, يطوّح رؤوس أفرداه ويتبر بالمنايا صفوفه.
فهو يضرب بيمينه, وبشماله, وبقدمه, ويصيح في الشظايا المتناثرة, والتراب المتساقط:
" يا عزّى كفرانك, لا سبحانك
اني رأيت الله قد أهانك"..!!
ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها..!
كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه في نظر خالد كالعزّى لا مكان لها في العالم الجديد الذي وقف خالد تحت أعلامه..
ولا يعرف خالد أداة لتصفيتها الا سيفه..
والا.." كفرانك لا سبحانك..
اني رأيت الله قد أهانك"..!!
على أننا اذ نتمنى مع أمير المؤمنين عمر, لوخلا سيف خالد من هذا الرهق, فاننا سنظل نردد مع أمير المؤمنين قوله:
" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"..!!
لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا, وعلم الانس فيما بعد أنه لم يكن يبكي فقده وحسب, بل ويبكي فرصة أضاعها الموت عن عمر اذ كان يعتزم رد الامارة الى خالد بعد أن زال افتتان الناس به. ومحصت أسباب عزله, لولا أن تداركه الموت وسارع خالد الى لقاء ربه.[/f
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 3/2/2011, 12:39 | |
| قيس بن سعد بن عبادة
أدهى العرب, لولا الاسلام
كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..
وكانوا يقولون:" لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا"..
ذلك أنه كان أجرد, ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم.
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه, وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية, وزعامته المتفوقة..؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة.
من أجود بيوت العرب وأعرقها.. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" ان الجود شيمة أهل هذا البيت"..
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة, ومهارة, وذكاء, والذي قال عن نفسه وهو صادق:
" لولا الاسلام, لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"..!!
ذلك أنه حادّ الذكاء, واسع الحيلة, متوقّد الذهن.
ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية.. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم, بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر, ثم يذكر قول الله سبحانه:
( ولا يحيق المكر السوء الا بأهله)..
فيهبّ من فوره مستنكرا, ومستغفرا, ولسان حاله يقول:
" والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا, فلن يغلبنا بذكائه, بل بورعنا وتقوانا"..!!
ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم, ورث المكارم كابرا عن كابر.. فهو ابن سعد بن عبادة, زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا:
" هذا خادمك يا رسول الله"..
ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح..
فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما..
يقول أنس صاحب رسول الله:
" كان قيس بن سعد من النبي, بمكان صاحب الشرطة من الأمير"..
وحين كان قيس, قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن, ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب.. فلما أسلم, علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه, لا بدهائه, ولقد كان ابنا بارّا للاسلام, ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا, ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية.. وصار كلما واجه موقعا صعبا, يأخذه الحنين الى دهائه المقيد, فيقول عبارته المأثورة:
" لولا الاسلام, لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"...!!
**
ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس, فهو من بيت عريق في الجود والسخاء, كان لأسرة قيس, على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ, مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا... أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا.. وكان الناس يومئذ يقولون:" من أحبّ الشحم, واللحم, فليأت أطم دليم بن حارثة"...
ودليم بن حارثة, هو الجد الثاني لقيس..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح..
تحّدث يوما أبو بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا:
" لو تركنا هذا الفتى لسخائه, لأهلك مال أبيه"..
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس, فصاح قائلا:
" من يعذرني من أبي قحافة, وابن الخطّاب.. يبخلان عليّ ابني"..!!
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا..
وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال:
" انا لا نعود في شيء أعطيناه"..!!
**
وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف, وسنّة لا تتبدّل.. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة..
أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان, لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا.. واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا.. وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدّعاء... واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود, فاعلم أنها ليست شجاعة, انما هي نزوة من نزوات التهوّر والطيش...
ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام..
لكأنه المعنيّ بقول الشاعر:
اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيّ..
وواصلت تألقها, في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى..
والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء.. وتتوسل بالوضوح والمواجهة, لا بالمناورة والمراوغة, تحمّل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه..
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره, قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة, وحمل هذا الطراز من الشجاعة المسفرة الواضحة, وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات...
ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده..
هذا الاقتناع الذي لا تكوّنه شهوة أو نزوة, انما يكوّنه الصدق مع النفس, والاخلاص للحق...
وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية, نرى قيسا يخلوبنفسه, ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه, حتى اذا ما رآه مع عليّ ينهض الى جواره شامخا, قويا مستبسلا..
وفي معارك صفّين, والجمل, ونهروان, كان قيس أحد أبطالها المستبسلين..
كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح:
هذا اللواء الذي كنا نخفّ به
مع النبي وجبريل لنا مدد
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته
ألا يكون له من غيرهم أحد
ولقد ولاه الامام عليّ حكم مصر..
وكانت عين معاوية على مصر دائما... كان ينظر اليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر...
من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى امارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الى الأبد, حتى لو انتصر هو على الامام عليّ انتصارا حاسما..
وهكذا راح بكل وسائله الماكرة, وحيله التي لا تحجم عن أمر, يدسّ عند علي ضدّ قيس, حتى استدعاه الامام من مصر..
وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالا مشروعا, فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته الى جانبه, لكي يوغر صدره ضدّ الامام علي, ولكي يضائل من ولائه له.. واذن فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله عليّ, والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد والأكيد لقيس بن سعد بن عبادة..
وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر.. فما الولاية, وما الامارة, وما المناصب كلها عند قيس الا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه.. ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لخدمة الحق, فان موقفه بجوار عليّ فوق أرض المعركة وسيلة أخرى لا تقل أهميّة ولا روعة..
**
وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها, بعد استشهاد عليّ وبيعة الحسن..
لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه, هو الوارث الشرعي للامامة فبايعه ووقف الى جانبه غير ملق الى الأخطار وبالا..
وحين يضطرّهم معاوية لامتشاق السيوف, ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين حلقوا رؤوسهم حدادا على الامام علي..
ويؤثر الحسن أن يضمّد جراح المسلمين التي طال شحوبها, ويضع حدّا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه..
هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد, فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب, فان لجنود قيس في ذمّته حق الشورى في اختيار المصير, وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلا:
" ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا, وان شئتم أخذت لكم أمانا:..
واختار جنوده الأمر الثاني, فأخذ لهم الامام من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة...
وفي المدينة المنوّرة, عام تسع وخمسين, مات الداهية الذي روّض الاسلام دهاءه..
مات الرجل الذي كان يقول:
لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" المكر والخديعة في النار, لكنت من أمكر هذه الأمة"..
أجل.. ومات تاركا وراءه عبير رجل أمين على كل ما للاسلام عنده من ذمّة, وعهد وميثاق
| |
| | | sousou مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 23377 العمر : 41 الأغنية المفضلة : كل اغاني كاظم الألبوم المفضل : كل البومات كاظم الفيديو كليب المفضل : اي لقطة فيها صورة كاظم تاريخ التسجيل : 07/01/2009 ~~ SMS ~~ :
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 3/2/2011, 17:52 | |
| عزيزي تيما نتعجز الكلمات عن شكرك للافاده و التميز بمزاضيعك الرائعه شكرا لك ز جزاك الله خيرا اقل شيء تستاهلي تقييم ايجابي | |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 5/2/2011, 13:45 | |
| ربي يخليكي يا سارة والله وجودك الدائم بصفحاتي بزيدها نور على نور شكراً الك
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 14/2/2011, 09:37 | |
| عمير بن وهب شيطان الجاهلية, وحواريّ الاسلام في يوم بدر, كان واحدا من قادة قريش الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الاسلام.
وكان حديد البصر, محكم التقدير, ومن ثم ندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للقائهم, ولينظر ان كان لهم من وزرائهم كمين أو مدد..
وانطلق عمير بن وهب الجمحيّ وصال بفرسه حول معسكر المسلمين, ثم رجع يقول لقومه:" انهم ثلاثمائة رجل, يزيدون قليلا أو ينقصون" وكان حدسه صحيحا.
وسألوه: هل وراءهم امتداد لهم؟؟ فأجابهم قائلا:
" لم أجد وراءهم شيئا.. ولكن يا معشر قريش, رأيت المطايا تحمل الموت الناقع.. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم..
" والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم, فاذا أصابوا منكم مثل عددهم, فما خير العيش بعد ذلك..؟؟
" فانظروا رأيكم"..
وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش, وكادوا يجمعون رحالهم ويعودون الى مكة بغير قتال, لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم, وأضرم في النفوس نار الحقد, ونار الحرب التي كان هو أول قتلاها..
** كان أهل مكة يلقبونه بشيطان قريش..
ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاء لم يغن قومه شيئا, فعادت قوات قريش الى مكة مهزومة مدحورة, وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه.. اذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيرا..
وذات يوم ضمّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة.. وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة, فان أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب.
جلس صفوان وعمير يجترّان أحقادهما..
ولندع عروة بن الزبير ينقل الينا حديثهما الطويل:
" قال صفوان, وهو يذكر قتلى بدر: والله ما في العيش بعدهم من خير..!
وقال له عمير: صدقت, ووالله لولا ديْن عليّ لا أملك قضاءه, وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت الى محمد حتى أقتله, فان لي عنده علة أعتلّ بها عليه: أٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير.
فاغتنمها صفوان وقال: عليّ دينك.. أنا أقضيه عنك.. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا..
فقال له عمير:اذن فاكتم شأني وشأنك..."
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ, ثم انطلق حتى قدم المدينة.
وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر, ويذكرون ما أكرمهم الله به, اذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب, قد أناخ راحلته على باب المسجد, متوشحا سيفه, فقال:
هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب, والله ما جاء الا لشرّ..
فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر..
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال:
يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه..
قال صلى الله عليه وسلم:
أدخله عليّ.." فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها, وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار, ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث, فانه غير مأمون."
ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه فلما رآه الرسول قال: دعه يا عمر..
ادن يا عمير..
فدنا عمير وقال: انعموا صباحا, وهي تحيّة الجاهلية,
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير, بالسلام.. تحية أهل الجنة.
فقال عمير: أما والله يا محمد ان كنت بها لحديث عهد.
قال لرسول: فما جاء بك يا عمير..؟؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم.
قال النبي: فما بال السيف في عنقك..؟؟
قال عمير: قبّحها الله من سيوف, وهل أغنت عنا شيئا..؟!
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقني يا عمير, ما الذي جئت له..؟
قال: ما جئت الا لذلك.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش, ثم قلت, لولا دين عليّ, وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا, فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له, والله حائل بينك وبين ذلك..!!!
وعندئذ صاح عمير: أشهد أن لا اله الا الله, وأشهد أنك رسول الله.. هذا أمر لم يحضره الا أنا وصفوان, فوالله ما أنبأك به الا الله, فالحمد لله الذي هداني للاسلام..
فقال الرسول لأصحابه: فقّهوا أخاكم في الدين وأقرئوه القرآن, وأطلقوا أسيره....!!
** هكذا أسلم عمير بن وهب..
هكذا أسلم شيطان قريش, وغشيه من نور الرسول والاسلام ما غشيه فاذا هو في لحظة يتقلب الى حواريّ الاسلام..!!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" والذي نفسي بيده, لخنزير كان أحبّ اليّ من عمير حين طلع علينا..
ولهو اليوم أحبّ اليّ من بعض ولدي"..!!
** جلس عمير يفكّر بعمق في سماحة هذا الدين, وفي عظمة هذا الرسول:
ثم تذكر بلاءه يوم بدر وقتاله.
وتذكر أيامه الخوالي في مكة وهو يكيد للاسلام ويحاربه قبل هجرة الرسول وصحبه الى المدينة.
ثم هاهو ذا يجيء اليوم متوشحا سيفه ليقتل به الرسول.
كل ذلك يمحوه في لحظة من الزمان قوله:" لا اله الا الله, محمد رسول الله"..!!
أيّة سماحة, وأي صفاء, وأية ثقة بالنفس يحملها هذا الدين العظيم..!!
أهكذا في لحظة يمحو الاسلام كل خطاياه السالفة, وينسى المسلمون كل جرائره وعداواته السابقة, ويفتحون له قلوبهم, ويأخذونه بالأحضان..؟!
أهكذا والسيف الذي جاء معقودا على شرّ طوية وشرّ جريمة, لا يزال يلمع أمام أبصارهم, ينسي ذلك كله, ولا يذكر الآن الا أن عميرا باسلامه, قد أصبح احدا من المسلمين ومن أصحاب الرسول, له ما لهم.. وعليه ما عليهم..؟!!! أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الخطاب منذ لحظتين أن يقتله, يصبح أحب الى عمر من ولده وبنيه..؟؟؟!!!
اذا كانت لحظة واحدة من الصدق, تلك التي أعلن فيها عمر اسلامه, تحظى من الاسلام بكل هذا التقدير والتكريم والمثوبة والاجلال, فان الاسلام اذن لهو دين عظيم..!!
** وفي لحظات عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين.. أن يخدمه بقدر ما حاربه, وان يدعو اليه, بقدر ما دعا ضدّه.. وأن يري الله ورسوله ما يحب الله ورسوله من صدق, وجهاد وطاعة.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم, قائلا:
" يا رسول الله: اني كنت جاهدا على اطفاء نور الله, شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل, واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة, فأدعوهم الى الله تعالى, والى رسوله, والى الاسلام, لعلّ الله يهيدهم, والا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..
في تلك الأيام, ومنذ فارق عمير مكة متوجها الى المدينة كان صفوان بن أمية الذي اغرى عميرا بالخروج لقتل الرسول, يمشي في شوارع مكة مختالا, ويغشي مجالسها وندواتها فرحا محبورا..!
وكلما سأله قومه واخوته عن سر فرحته ونشوته, وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر, يفرك كفّيه في غرور يقول للناس:" أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..!
وكان يخرج الى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان:" ألم يحدث بالمدينةأمر".
وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى, فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثا ذا بال.
ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان, حتى لقي بعضهم يوما فسأله:" ألم يحدث بالمدينةأمر"..؟؟
فأجابه المسافر: بلى حدث أمر عظيم..!!
وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح..
وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق:" ماذا حدث اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: لقد أسلم عمير بن وهب, وهو هناك يتفقه في الدين, ويتعلم القرآن"..!!
ودرات الأرض بصفوان.. والوقعة التي كان يبشر بها قومه, والتي كان ينتظرها لتنسيه وقعة بدر جاءته اليوم في هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما..!!
** وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير الى مكة شاهرا سيفه, متحفزا للقتال, ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية..
وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته, ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه الى صوابه, فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
دخل عمير بن وهب مكة مسلما, وهو الذي فارقها من أيام مشركا, دخلها وفي روعة صورة عمر بن الخطاب يوم أسلم, ثم صاح فور اسلامه قائلا:
" والله لا أدع مكانا جلست فيه بالكفر, الا جلست فيه بالايمان".
ولكأنما اتخذ عمير من هذه الكلمات شعارا, ومن ذلك الموقف قدوة, فقد صمم على نذر حياته للدين الذي طالما حاربه.. ولقد كان في موقف يسمح له بأن ينزل الأذى بمن يريد له الأذى..
وهكذا راح يعوّض ما فاته.. ويسابق الزمن الى غايته, فيبشر بالاسلام ليلا ونهارا.. علانية واجهارا..
في قلبه ايمانه يفيض عليه أمنا, وهدى ونورا..
وعلى لسانه كلمات حق, يدعو بها الى العدل والاحسان والمعروف والخير..
وفي يمينه سيف يرهب به قطاع الطرق الذين يصدّون عن سبيل الله من آمن به, ويبغونها عوجا.
وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا الى الاسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال.
وخرج عمير بهم الى المدينة في موكب طويل مشرق.
وكانت الصحراء التي يجتازونها في سفرهم لا تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من قريب حاملا سيفه, حاثا خطاه الى المدينة ليقتل الرسول, ثم عبرها مرّة أخرى راجعا من المدينة بغير الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته المحبورة.. ثم ها هو ذا يجتازها مرة ثالثة على رأس موكب كبير من المؤمنين يملؤون رحابها تهليلا وتكبيرا..
أجل إنه لنبأ عظيم.. نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية الله الى حواريّ باسل من حوارييّ الاسلام, والذي ظلّ واقفا الى جوار رسول الله في الغزوات والمشاهد, وظلّ ولاؤه لدين الله راسخا بعد رحيل الرسول عن الدنيا.
وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح اليه يناشده الاسلام ويدعوه اليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول, وصدق الرسالة..
بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن..
واشتدّ اشفاق عمير على صفوان, وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة.
وذهب مسرعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
" يا نبيّ الله ان صفوان بن أميّة سيّد قومه, وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه صلى الله عليك,
فقال النبي: هو آمن.
قال رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك, فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة"..
ولندع عروة بن الزبير يكمل لنا الحديث:
" فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان, فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به..
قال له صفوان: ويحك, اغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان..فداك أبي وأمي, ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس, وأبرّ الناس , وأحلم الناس, وخير الانس.. عزّه عزّك, وشرفه شرفك..
قال: اني أخاف على نفسي..
قال: هوأحلم من ذاك وأكرم..
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: ان هذا يزعم أنك أمّنتني..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: صدق..
قال صفوان: فاجعلني فيه بالخيار شهرين..
قال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر".
وفيما بعد أسلم صفوان.
وسعد عمير باسلامه أيّما سعادة..
وواصل ابن وهب مسيرته المباركة الى الله, متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات الى النور.
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 16/2/2011, 12:09 | |
| أبوالدرداء أيّ حكيم كان بينما كانت جيوش الاسلام تضرب في مناكب الأرض.. هادرة ظافرة.. كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب.. وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه في كلمات تناهت نضرة وبهاء...وكان لا يفتأ يقول لمن حوله:" ألا أخبركم بخير أعمالكم, وأزكاها عند باريكم, وأنماها في درجاتكم, وخير من أن تغزو عدوّكم, فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم, وخير من الدراهم والدنانير".؟؟وتشرئب أعناق الذين ينصتون له.. ويسارعون بسؤاله:" أي شيء هو.. يا أبا الدرداء"..؟؟ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الايمان والحكمة:" ذكر الله...ولذكر الله أكبر".. ** لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية, ولا بالانسحاب من تبعات الدين الجديد.. تلك التبعات التي يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها...أجل.. ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل, وهو الذي حمل سيفه مجاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم, حتى جاء نصر الله والفتح..بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يجد نفسه في وجودها الممتلئ الحيّ, كلما خلا الى التأمل, وأوى الى محراب الحكمة, ونذر حياته لنشدان الحقيقة واليقين..؟؟ولقد كان حكيم تلك الأيام العظيمة أبو الدرداء رضي الله عنه انسانا يتملكه شوق عارم الى رؤية الحقيقة واللقاء بها.. واذ قد آمن بالله وبرسوله ايمانا وثيقا, فقد آمن كذلك بأن هذا الايمان بما يمليه من واجبات وفهم, هو طريقه الأمثل والأوحد الى الحقيقة..وهكذا عكف على ايمانه مسلما الى نفسه, وعلى حياته يصوغها وفق هذا الايمان في عزم, ورشد, وعظمة..ومضى على الدرب حتى وصل.. وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق.. وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماما حين يناجي ربه مرتلا آياته..( ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين).أجل.. لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه, ومع نفسه الى تلك الذروة العالية.. الى ذلك التفوق البعيد.. الى ذلك التفاني الرهباني, الذي جعل حياته, كل حياته لله رب العالمين..!! ** والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه..؟ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته..؟؟انه ضياء الحكمة, وعبير الايمان..ولقد التقى الايمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيدا, أيّ سعيد..!!سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت:" التفكر والاعتبار".أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آية:(فاعتبروا يا أولي الأبصار)...وكان هو يحضّ اخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم:" تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة"..لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه.. وكل حياته.. ويوم اقتنع بالاسلام دينا, وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم, كان تاجرا ناجحا من تجار المدينة النابهين, وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم, بل وقبل أن يأتي الرسول والمسلمون المدينة مهاجرين..بيد أنه لم يمض على اسلامه غير وقت وجيز حتى..ولكن لندعه هو يكمل لنا الحديث:" أسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر..وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا..فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة.وما يسرّني اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار, حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد..ألا اني لا أقول لكم: ان الله حرّم البيع..ولكني أحبّ أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"..!! أرأيتم كيف يتكلّم فيوفي القضيّة حقها, وتشرق الحكمة والصدق من خلال كلماته..؟؟انه يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله التجارة يا أبا الدرداء...؟؟يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤل, ويشير الى الهدف الأسمى الذي كان ينشده, ومن أجله ترك التجارة برغم نجاحه فيها..لقد كان رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو الى أقصى درجات الكمال الميسور لبني الانسان.. لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه الى عالم الخير الأسمى, ويشارف به الحق في جلاله, والحقيقة في مشرقها, ولو أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى, ومحظورات تترك, لاستطاع أن يجمع بينها وبين تجارته وأعماله...فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار... ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله.. بل اجتهدوا في انماء تجارتهم وأموالهم ليخدموا بها قضية الاسلام, ويكفوا بها حاجات المسلمين..ولكن منهج هؤلاء الأصحاب, لا يغمز منهج أبو الدرداء, كما أن منهجه لا يغمز منهجهم, فكل ميسّر لما خلق له.. وأبو الدرداء يحسّ احساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته..التخصص في نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الايمان الذي هداه اليه ربه, ورسوله والاسلام..سمّوه ان شئتم تصوّفا..ولكنه تصوّف رجل توفّر له فطنة المؤمن, وقدرة الفيلسوف, وتجربة المحارب, وفقه الصحابي, ما جعل تصوّفه حركة حيّة في بناء الروح, لا مجرّد ظلال صالحة لهذا البناء..!! أجل..ذلك هو أبو الدرداء, صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه..وذلكم هو أبو الدرداء, الحكيم, القدّيس..ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه, وزادها بصدره..رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها, وحتى صارت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة, والصواب, والخير, ما جعل من أبي الدرداء معلما عظيما وحكيما قويما..سعداء, أولئك الذين يقبلون عليه, ويصغون اليه..ألا تعالوا نقترب من حكمته يا أولي الألباب..ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها..انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن:( الذي جمع مالا وعدّده.. يحسب أن ماله اخلده)...ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول:" ما قلّ وكفى, خير مما كثر وألهى"..ويقول عليه السلام:" تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم, فانه من كانت الدنيا أكبر همّه, فرّق الله شمله, وجعل فقره بين عينيه.. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله, وجعل غناه في قلبه, وكان الله اليه بكل خير أسرع".من أجل ذلك, كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول:" اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب"..سئل:وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟فأجاب:أن يكون لي في كل واد مال"..!!وهو يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها.. فذلك هو الامتلاك الحقيقي لها.. أما الجري وراء أطماعها التي لا تؤذن بالانتهاء, فذلك شر ألوان العبودية والرّق.هنالك يقول:" من لم يكن غنيا عن الدنيا, فلا دنيا له"..والمال عنده وسيلة للعيش القنوع المعتدل ليس غير.ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال, وأن يكسبوه في رفق واعتدال, لا في جشع وتهالك.فهو يقول:" لا تأكل الا طيّبا..ولا تكسب الا طيّبا..ولا تدخل بيتك الا طيّبا".ويكتب لصاحب له فيقول:".. أما بعد, فلست في شيء من عرض الدنيا, والا وقد كان لغيرك قبلك.. وهو صائر لغيرك بعدك.. وليس لك منه الا ما قدّمت لنفسك... فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له ارثا, فأنت انما تجمع لواحد من اثنين:اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله, فيسعد بما شقيت به..واما ولد عاص, يعمل فيه بمعصية الله, فتشقى بما جمعت له,فثق لهم بما عند الله من رزق, وانج بنفسك"..! كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية..عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي... واقتربوا دهشين يسألونه, وتولى توجيه السؤال اليه:" جبير بن نفير":قال له:" يا أبا الدرداء, ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله"..؟؟فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق:ويحك يا جبير..ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره..بينما هي أمة, ظاهرة, قاهرة, لها الملك, تركت أمر الله, فصارت الى ما ترى"..!أجل.. وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذي تلحقه جيوش الاسلام بالبلاد المفتوحة, افلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها, ودين صحيح يصلها بالله..ومن هنا أيضا, كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الايمان, وتضعف روابطهم بالله, وبالحق, وبالصلاح, فتنتقل العارية من أيديهم, بنفس السهولة التي انتقلت بها من قبل اليهم..!! ** وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية في يقينه, كذلك كانت جسرا الى حياة أبقى وأروع..دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض, فوجدوه نائما على فراش من جلد..فقالوا له:" لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم.."فأجابهم وهو يشير بسبّابته, وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:" ان دارنا هناك..لها نجمع.. واليها نرجع..نظعن اليها. ونعمل لها"..!!وهذه النظرة الى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك..خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه, ولم يقبل خطبته, ثم خطبها واحد من فقراء المسلمين وصالحيهم, فزوّجها أبو الدرداء منه.وعجب الناس لهذا التصرّف, فعلّمهم أبو الدرداء قائلا:" ما ظنّكم بالدرداء, اذا قام على رأسها الخدم والخصيان وبهرها زخرف القصور..أين دينها منها يومئذ"..؟!هذا حكيم قويم النفس, ذكي الفؤاد..وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس اليها, ويولّه القلب بها..وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل اليها..فالسعادة الحقة عنده هي أن تمتلك الدنيا, لا أن تمتلكك أنت الدنيا..وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه الى دار القرار والمآل والخلود, كلما صنعوا هذا, كان نصيبهم من السعادة الحقة أوفى وأعظم..وانه ليقول:" ليس الخير أن يكثر مالك وولدك, ولكن الخير أن يعظم حلمك, ويكثر علمك, وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى"..وفي خلافة عثمان رضي الله عنه, وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء..وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا, وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته, وزهده, وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين..وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم..وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم..فجمعهم أبو الدرداء, وقام فيهم خطيبا:" يا أهل الشام..أنتم الاخوان في الدين, والجيران في الدار, والأنصار على الأعداء..ولكن مالي أراكم لا تستحيون..؟؟تجمعون ما لا تأكلون..وتبنون ما لا تسكنون..وترجون ما لا تبلّغون..وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون, فيوعون..ويؤمّلون, فيطيلون..ويبنون, فيوثقون..فأصبح جمعهم بورا..وأموالهم غرورا.. وبيوتهم قبورا..أولئك قوم عاد, ملؤا ما بين عدن الى عمان أموالا وأولادا..".ثم ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة, ولوّح بذراعه في الجمع الذاهل, وصاح في سخرية لا فحة:" من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين"..؟! رجل باهر, رائع, مضيء, حكمته مؤمنة, ومشاعره ورعة, ومنطقه سديد ورشيد..!!العبادة عند أبي الدرداء ليست غرورا ولا تأليا. انما هي التماس للخير, وتعرّض لرحمة الله, وضراعة دائمة تذكّر الانسان بضعفه. وبفضل ربه عليه:انه يقول:التمسوا الخير دهركم كله..وتعرّضوا لنفحات رحمة الله, فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده.." وسلوا الله أن يستر عوراتكم, ويؤمّن روعاتكم"...كان ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على غرور العبادة, يحذّر منه الناس.هذا الغرور الذي يصيب بعض الضعاف في ايمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم, فيتألّون بها على الآخرين ويدلّون..فلنستمع له ما يقول:" مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين, أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترّين"..ويقول أيضا: "لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا..ولا تحاسبوهم دون ربهمعليكم أنفسكم, فان من تتبع ما يرى في الانس يطل حزنه"..!انه لا يريد للعابد مهما يعل في العبادة شأوه أن يجرّد من نفسه ديّانا تجاه العبد.عليه أن يحمد الله على توفيقه, وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين لم يدركوا مثل هذا التوفيق.هل تعرفون حكمة أنضر وأبهى من حكمة هذا الحكيم..؟؟يحدثنا صاحبه أبو قلابة فيقول:" مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا, والناس يسبّونه, فنهاهم وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة.. ألم تكونوا مخرجيه منها..؟قالوا بلى..قال: فلا تسبّوه اذن, واحمدوا الله الذي عافاكم.قالوا: أنبغضه..؟قال: انما أبغضوا عمله, فاذا تركه فهو أخي"..!! ** واذاكان هذا أحد وجهي العبادة عند أبي الدرداء, فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة..ان أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا.. يقدّسه كحكيم, ويقدّسه كعابد فيقول:" لا يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما..ولن يكون بالعلم جميلا, حتى يكون به عاملا".أجل..فالعلم عنده فهم, وسلوك.. معرفة, ومنهج.. فكرة حياة..ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم, نراه ينادي بأن العلم كالمتعلم كلاهما سواء في الفضل, والمكانة, والمثوبة..ويرى أن عظمة الحياة منوطة بالعلم الخيّر قبل أي شيء سواه..ها هو ذا يقول:" مالي أرى العلماء كم يذهبون, وجهّالكم لا يتعلمون؟؟ ألا ان معلّم الخير والمتعلّم في الأجر سواء.. ولا خير في سائر الناس بعدهما"..ويقول أيضا:" الناس ثلاثة..عالم..ومتعلم..والثالث همج لا خير فيه". وكما رأينا من قبل, لا ينفصل العلم في حكمة أبي الدرداء رضي الله عنه عن العمل.يقول:" ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: يا عويمر, هل علمت؟؟فأقول نعم..فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت"..؟وكان يجلّ العلماء العاملين ويوقرهم توقيرا كبيرا, بل كان يدعو ربّه ويقول:" اللهم اني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء.."قيل له:وكيف تلعنك قلوبهم؟قال رضي الله عنه:" تكرهني"..!أرأيتم؟؟انه يرى في كراهيّة العالم لعنة لا يطيقها.. ومن ثمّ فهو يضرع الى ربه أن يعيذه منها.. وتستوصي حكمة أبي الدرداء بالاخاء خيرا, وتبنى علاقة الانسان بالانسان على أساس من واقع الطبيعة الانسانية ذاتها فيقول:" معاتبة الأخ خير لك من فقده, ومن لك بأخيك كله..؟أعط أخاك ولن له..ولا تطع فيه حاسدا, فتكون مثله.غدا يأتيك الموت, فيكفيك فقده..وكيف تبكيه بعد الموت, وفي الحياة ما كنت أديت حقه"..؟؟ومراقبة الله في عباده قاعدة صلبة يبني عليها أبو الدرداء حقوق الاخاء..يقول رضي الله عنه وأرضاه:" اني أبغض أن أظلم أحدا.. ولكني أبغض أكثر وأكثر, أن أظلم من لا يستعين عليّ الا بالله العليّ الكبير"..!!يا لعظمة نفسك, واشراق روحك يا أبا الدرداء..!!انه يحذّر الناس من الخداع, حين يظنون أن المستضعفين العزّل أقرب منالا من أيديهم, ومن بأسهم..!ويذكّرهم أن هؤلاء في ضعفهم يملكون قوّة ماحقة حين يتوسلون الى الله عز وجل بعجزهم, ويطرحون بين يديه قضيتهم, وهوانهم على الناس..!!هذا هو أبو الدرداء الحكيم..!هذا هو أبو الدرداء الزاهد, العابد, الأوّاب..هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه, وسألوه الدعاء, أجابهم في تواضع وثيق قائلا:" لا أحسن السباحة.. وأخاف الغرق"..!! ** كل هذا, ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء..؟؟ولكن أي عجب, وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام... وتلميذ القرآن.. وابن الاسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر, وبقيّة الرجال..!؟ | |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 10/3/2011, 12:34 | |
| زيد بن الخطاب
صقر يوم اليمامة
جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما, وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري, أطرق الرسول لحظات, ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:
" ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..
وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين, يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه اليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير, وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال بن عنفوة.
ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن, وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب, وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرّجّال بن عنفوة هذا, ذهب ذات يوم الى الرسول مبايعا ومسلما, ولما تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه.. ولم يرجع الى المدينة الا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسملين.. ونقل الى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة, واقترح على الخليفة أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم على الاسلام, فأذن له الخليفة..
وتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون, فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية, فترك الاسلام, وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.
وكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك, لأنه استغلّ اسلامه السابق, والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول, وحفظه لآيات كثيرة من القرآن, وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.
لقد سار بين الناس يقول لهم: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات, فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده, هو مسيلمة..!!
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالاسلام وبالرسول.
وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة, فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا, والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيّظا, وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!
زيد بن الخطّاب..؟
لا بد أنكم عرفتموه..
انه أخو عمر بن الخطّاب..
أجل أخوه الأكبر, والأسبق..
جاء الحياة قبل عمر, فكان أكبر منه سنا..
وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله..
وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.
وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا, ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.
وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن الشهادة..!
يوم أحد, حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..
وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب, وقد سقط درعه عنه, وأصبح أدنى منالا للأعداء, فصاح به عمر.
" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..
فأجابه زيد:
" اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!
وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة, واستبسال عظيم.
**
قلنا انه رضي الله عنه, كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد, لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا, وصوليا.
لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة, ونفاق يغيض هزيل.
وزيد في بغضه النفاق والكذب, كأخيه عمر تماما..!
كلاهما لا يثير اشمئزازه, وبغضاءه, مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة, والأغراض الدنيئة.
ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة, لعب الرّجّال دوره الآثم, فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا, وهو بهذا يقدّم بيديه الى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..
أضلّها أولا, وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه, وزخرفها له هواه, ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة, لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر من خطرا, وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.
**
وبدأ يوم اليمامة مكفهرّا شاحبا.
وجمع خالد بن الوليد جيش الاسلام, ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى من..؟؟
الى زيد بن الخطّاب.
وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..
ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين, وسقط منهم شهداء كثيرون.
ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين, فعلا ربوة هناك, وصاح في اخوانه:
" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم, واضربوا في عدوّكم, وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله, أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!
ونزل من فوق الربوة, عاضّا على أضراسه, زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.
وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال, فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم, باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..
وهناك راح يأتيه من يمين, ومن شمال, وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه, غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج الى السطح من جديد, فيقترب منه زيد ويبسط اليه سيفه, ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى, فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..
وأخيرا يمسك بخناقه, ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا, وكذبا, وخسّة..
وبسقوط الأكذوبة, أخذ عالمها كله يتساقط, فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..
لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم, وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة, والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!
وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. اذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..
وغدا سيسقط المحكم, وبعد غد مسيلمة..!!
هكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..
أما المسلمون, فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال, ونهض جريحهم من جديد, حاملا سيفه, وغير عابئ بجراحه..
حتى الذين كانوا على شفا الموت, لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب, مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل, فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها الى الحياة ليقاتلو, وليشهدوا النصر في روعة ختامه..
ولكن أنّى لهم هذا, وقد تفتحت أبواب الجنّة لاستقبالهم وانهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!
**
رفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربّه, شاكرا نعمته..
ثم عاد الى سيفه والى صمته, فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..
ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..
هنالك وقد رأى زيد رياح النصر مقبلة, لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام, فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..
وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا, ومآقيه دموعا,وعزمه اصرارا..
وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..
وسقط البطل شهيدا..
بل قولوا: صعد شهيدا..
صعد عظيما, ممجّدا, سعيدا..
وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا..
وبينما كان عمر, يستقبل مع الخليفة أبي بكرو أولئك العائدين الظافرين, راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..
وكان زيد طويل بائن الطول, ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..
ولكن قبل أن يجهد بصره, اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..
وقال عمر:
" رحم الله زيدا..
سبقني الى الحسنيين..
أسلم قبلي..
واستشهد قبلي".
**
وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم, فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..
ودائما كان يقول:
" ما هبّت الصبا, الا وجدت منها ريح زيد".
أجل..
ان الصبا لتحمل ريح زيد, وعبير شمائله المتفوقة..
ولكن, اذا اذن أمير المؤمنين, أضفت لعبارته الجليلة هذه, كلمات تكتمل معها جوانب الاطار.
تلك هي:
" .. وما هبّت رياح النصر على الاسلام منذ يوم اليمامة الا وجد الاسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"
**
بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم..
بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا, واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون..!!
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 12/3/2011, 13:02 | |
| طلحة بن عبيد الله
صقر يوم أحد
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, وما بدّلوا تبديلا)...
تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة, ثم استقبل وجوه أصحابه, وقال وهو يشير الى طلحة:
" من سرّه أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض, وقد قضى نحبه, فلينظر الى طلحة"..!!
ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله, وتطير قلوبهم شوقا اليها أكثر من هذه التي قلّدها النبي طلحة بن عبيد الله..
لقد اطمأن اذن الى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا, ويموت, وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة, ولن يدركه لغوب..
ولقد بشّره الرسول بالجنة, فماذا كانت حياة هذا المبشّر الكريم..؟؟
**
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها, وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم, والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..
وحّر طلحة أن يفوته موكبه, فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص..
وحين عاد طلحة الى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر, الفى بين أهلها ضجيجا.. وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم, أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه.. وعن الرسالة التي يحملها الى العرب خاصة, والى الناس كافة..
وسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد, وأنه يقف الى جوار محمد مؤمنا منافحا, أوّابا..
وحدّث طلحة نفسه: محمد, وأبو بكر..؟؟
تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة أبدا.!!
ولقد بلغ محمد الأربعين من عمره, وما عهدنا عليه خلال هذا العمر كذبة واحدة.. أفيكذب اليوم على الله, ويقول: أنه أرسلني وأرسل اليّ وحيا..؟؟
وهذا هو الذي يصعب تصديقه..
وأسرع طلحة الخطى ميمما وجهه شطر دار أبي بكر..
ولم يطل الحديث بينهما, فقد كان شوقه الى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعته أسرع من دقات قلبه..
فصحبه أبو بكر الى الرسول عليه الصلاة والسلام, حيث أسلم وأخذ مكانه في القافلة المباركة..
وهكذا كان طلحة من المسلمين المبكرين.
**
وعلى الرغم من جاهه في قومه, وثرائه العريض, وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش, اذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد, وكان يدعى أسد قريش, بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه, اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها, وخافت عاقبة أمرها..
وهاجر طلحة الى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة, ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, عدا غزوة بدر, فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة..
ولما أنجزاها ورجعا قافلين الى المدينة, كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر, فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته..
بيد أن الرسول أهدى اليهما طمأنينة سابغة, حين انبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما, بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها..
وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بانزال هزيمة نهائية بالمسلمين, هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا, وقدرا مقدورا..!!
ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين..
ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم, ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم..
وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة, فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..
واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه, وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين..
وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية, فسارع نحو الرسول..
وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!!
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم ويتحامل على نفسه, فجنّ جنونه, وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه, وتحيط به تريد أن تناله بسوء..
ووقف طلحة كالجيش اللجب, يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..
ورأى دم الرسول الكريم ينزف, وآلامه تئن, فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه..
كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره, متأخرا به الى مكان آمن, بينما بيمينه, بارك الله يمينه, تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول, وملؤا دائرة القتال مثل الجراد..!!
ولندع الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه يصف لنا المشهد..
تقول عائشة رضي الله عنها:
" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم اخاكم.. ونظرنا واذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. واذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه" .
**
وفي جميع المشاهد والغزوات, كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله, ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة, يعبد الله مع العابدين, ويجاهد في سبيله مع المجاهدين, ويرسي بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور..
فاذا قضى حق ربه, راح يضرب في الأرض, ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة, وأعماله الناجحة.
فقد كان طلحة رضي الله عته من أكثر المسلمين ثراء, وأنماهم ثروة..
وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته...
كان ينفق منها بغير حساب..
وكان الله ينمّيها له بغير حساب!
لقد لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ طلحة الخير, وطلحة الجود, وطلحة الفيّاض اطراء لجوده المفيض.
وما أكثر ما كان يخرج من ثروته مرة واحدة, فاذا الله الكريم يردها اليه مضاعفة.
تحدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:
" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما, فسألته ما شانك..؟
فقال المال الذي عندي.. قد كثر حتى أهمّني وأكربني..
وقلت له ما عليك.. اقسمه..
فقام ودعا الناس, واخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهم"...
ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع, ونظر الى كومة المال ففاضت عيناه من الدمع ثم قال:
" ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرق من أمر, لمغرور بالله"...
ثم دعا بعض أصحابه وحمل معهم أمواله هذه, ومضى في شوارع المدينة وبيوتها يوزعها, حتى أسحر وما عنده منها درهم..!!
ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول:
" ما رأيت أحد اعطى لجزيل مال من غير مسألة, من طلحة بن عبيد الله".وكان أكثر الناس برّا بأهله وبأقربائه, فكان يعولهم جميعا على كثرتهم..
وقد قيل عنه في ذلك:
".. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مؤنته, ومؤنة عياله..
وكان يزوج أيامهم, ويخدم عائلهم, ويقضي دين غارمهم"..
ويقول السائب بن زيد:
" صحبت طلحة بن عبيدالله في السفر والحضر فما وجدت أحدا, أعمّ سخاء على الدرهم, والثوب والطعام من طلحة"..!!
وتنشب الفتنة المعروفة في خلافة عثمان رضي الله عنه..
ويؤيد طلحة حجة المعارضين لعثمان, ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيير واصلاح..
أكان بموقفه هذا, يدعو الى قتل عثمان, أو يرضى به..؟؟ كلا...
ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقدا مخبولا, ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه..
نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى الى هذا المأزق والمنتهى لقاومها, ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير, لا أكثر..
على أن موقف طلحة هذا, تحوّل الى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل, فلم يكد الامام عليّ يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير, حتى استأذن الاثنان في الخروج الى مكة للعمرة..
ومن مكة توجها الى البصرة, حيث كانت قوات كثيرة تتجمّع للأخذ بثأر عثمان..
وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان, والفريق الذي يناصر عليّا..
وكان عليّ كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الاسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة, تنتفض همومه, وتهطل دموعه, ويعلو نشيجه..!!
لقد اضطر الى المأزق الوعر..
فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع, وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرّد على الدولة, أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة..
وحين ينهض لقمع تمرّد من هذ النوع, فان عليه أن يواجه اخوانه وأصحابه وأصدقاءه, وأتباع رسوله ودينه, أولئك الذين طالما قاتل معهم جيوش الشرك, وخاضوا معا تحت راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم, وجعلت منهم اخوانا بل اخوة متعاضدين..
فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلاء عسير..؟
وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق, وصون دماء المسلمين لم يترك الامام علي وسيلة الا توسّل بها, ولا رجاء الا تعلق به.
ولكن العناصر التي كانت تعمل ضدّ الاسلام, وما أكثرها, والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة, أيام عاهلها العظيم عمر, هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة, وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها...
**
بكى عليّ بكاء غزيرا, عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله..
وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير, حوراييّ رسول الله..
فنادى طلحة والزبير ليخرجا اليه, فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم..
فقال لطلحة:
" يا طلحة, أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها. وخبأت عرسك في البيت"..؟؟
ثم قال للزبير:
" يا زبير, نشدتك الله, أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا, فقال لك: يا زبير, ألا تحبّ عليّا..؟
فقلت: ألا أحب ابن خالي, وابن عمي, ومن هو على ديني..؟؟
فقال لك: يا زبير, أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"..!!
قال الزبير رضي الله عنه: نعم أذكر الآن, وكنت قد نسيته, والله لا أقاتلك..
وأقلع الزبير وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب الأهلية..
أقلعا فور تبيّنهما الأمر, وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف عليّ, تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار:
" تقتلك الفئة الباغية"..
فان قتل عمّار اذن في هذه المعركة التي يشترك فيها طلحة, فسيكون طلحة باغيا...
**
انسحب طلحة والزبير من القتال, ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما, ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى..
أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..!!
وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..
**
كان مقتل عثمان قد تشكّل في نفسية طلحة, حتى صار عقدة حياته..
كل هذا, مع أنه لم يشترك بالقتل, ولم يحرّض عليه, وانما ناصر المعارضة ضدّه, يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول الى تلك الجريمة البشعة..
وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان, كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفّارة تريحه من وطأة ضميره..
وكان قبل بدء المعركة يدعو ويضرع بصوت تخنقه الدموع, ويقول:
" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..
فلما واجهه عليّ هو والزبير, أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما, فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..
بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان يكون..
ألم يقل الرسول عنه:
" هذا ممن قضى نحبه, ومن سرّه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض, فلينظر الى طلحة"..؟؟
لقي الشهيد اذن مصيره المقدور والكبير, وانتهت وقعة الجمل.
وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة الى البيت الحرام فالمدينة, نافضة يديها من هذا الصراع, وزوّدها الامام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..
وحين كان عليّ يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا, الذين كانوا معه, والذين كانوا ضدّه..
ولما فرغ من دفن طلحة, والزبير, وقف يودعهما بكلمات جليلة, اختتمها قائلا:
" اني لأرجو أن أكون أنا, وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما صدورهم من غلّ اخوانا على سرر متقابلين)"..
ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:
" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" طلحة والزبير, جاراي في الجنّة"...
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 27/3/2011, 14:38 | |
| الزبير بن العوّام
حواريّ رسول الله لا يجيء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه..
ولا يجيء ذكر الزبير الا ويذكر طلحة معه..
فحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤاخي بين أصحابه في مكة قبل الهجرة, آخى بين طلحة والزبير.
وطالما كان عليه السلام يتحدث عنهما معا.. مثل قوله:
" طلحة والزبير جاراي في الجنة".
وكلاهما يجتمع مع الرسول في القرابة والنسب.
أما طلحة, فيجتمع في نسبه مع الرسول في مرة بن كعب.
وأما الزبير, فيلتقي في نسبه مع الرسول في قصّي بن كلاّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم..
وكل منهما طلحة والزبير كان أكثر الناس شبها بالآخر في مقادير الحياة..
فالتماثل بينهما كبير, في النشأة, في الثراء, في السخاء, في قوة الدين, في روعة الشجاعة, وكلاهما من المسلمين المبكرين باسلامهم...
ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالجنة. ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر اختيار الخليفة من بعده.
وحتى مصيرهما كان كامل التماثل.. بل كان مصيرا واحدا.
**
ولقد أسلم الزبير, اسلاما مبكرا, اذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام, وأسهموا في طليعته المباركة في دار الأرقم..
وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة.. وهكذا رزق الهدى والنور والخير صبيا..
ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه. حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر في الاسلام كان سيف الزبير.
ففي الأيام الأولى للاسلام, والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم.. سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول قتل.. فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه, وسار في شوارع مكة, على حداثة سنه كالاعصار..!
ذهب أولا يتبيّن الخبر, معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يظفربهم أو يظفروا به..
وفي أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسأله ماذا به....؟ فأنهى اليه الزبير النبأ.. فصلى عليه الرسول, ودعا له بالخير, ولسيفه بالغلب.
وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها.
وكان الذي تولى تعذيبه عمه.. كان يلفه في حصير, ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه, ويناديه وهو تحت وطأة العذاب:" أكفر برب محمد, أدرأ عنك العذاب".
فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ, غضّ العظام.. يجيب عمه في تحدّ رهب:
" لا..
والله لا أعود لكفر أبدا"...
ويهاجر الزبير الى الحبشة, الهجرتين الأولى والثانية, ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله. لا تفتقده غزوة ولا معركة.
وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها, أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده..!!
ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده, يحدثنا عنها فيقول:
" صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده, فرأيته مجذّعا بالسيوف, وان في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي.
فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك ما لم أره بأحد قط.
فقال لي: أم والله ما منها جراحة الا مع رسول الله وفي سبيل الله"..
وفي غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكةو ندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع الى المدينة واستئناف القتال..
وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين, وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان اللباقة الحربية التي استخدمها الصديق والزبير, جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين, وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق ابراز قوتها, وما هي الا مقدمة لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيرها, وأسرعت خطاها الى مكة..!!
ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة, صاح هو" الله أكبر".. واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده, ضاربا بسيفه.. ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها, وسيف يتوهج في يمينه لا يكبو, ولا يحبو..!!
وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة, عظيم الغرام بالموت في سبيل الله.
وكان يقول:
" ان طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء, وقد علم ألا نبي بعد محمد...
واني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون".!
وهكذا سمى ولده, عبدالله بن الزبير تيمنا بالصحابي الشهيد عبدالله بن جحش.
وسمى ولده المنذر, تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو.
وسمى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو.
وسمى حمزة تيمنا بالشهيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب.
وسمّى جعفر, تيمنا بالشهيد الكبير جعفر بن أبي طالب.
وسمى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير.
وسمى خالد تيمنا بالصحابي الشهيد خالد بن سعيد..
وهكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشهداء. راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالهم شهداء.
ولقد قيل في تاريخه:
" انه ما ولي امارة قط, ولا جباية, ولا خراجا ولا شيئا الا الغزو في سبيل الله".
وكانت ميزته كمقاتل, تتمثل في في اعتماده التام على نفسه, وفي ثقته التامة بها.
فلو كان يشاركه في القتال مائة ألف, لرأيته يقاتل وحده في المعركة.. وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع على كاهله وحده.
وكان فضيلته كمقاتل, تتمثل في الثبات, وقوة الأعصاب..
رأى مشهد خاله حمزة يوم أحد وقد مثّل المشركون بجثمانه القتيل في قسوة, فوقف أمامه كالطود ضاغطا على أسنانه, وضاغطا على قبضة سيفه, لا يفكر الا في ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي ينهى الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه..!!
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي ابن أبي طالب, فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله:
" والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة, أو لنفتحنّ عليهم حصنهم"..
ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن..
وبقوة أعصاب مذهلة, أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين..!!
ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد هزيمتهم في حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه, وبقايا جيشه المنهزم, فاقتحم حشدهم وحده, وشتت شملهم وحده, وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين, العائدين من المعركة..!!
**
ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما..
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباهي به ويقول:
" ان لكل نبي حواريا وحواريي الزبير ن العوّام"..
ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب, ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين, بل كان ذلك الوفي القوي, والشجاع الأبيّ, والجوّاد السخيّ, والبائع نفسه وماله لله رب العالمين:
ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال:
أقام على عهد النبي وهديه
حواريّه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه
يوالي وليّ الحق, والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي
يصول, اذا ما كان يوم محجّل
له من رسول الله قربى قريبة
ومن نصرة الاسلام مجد موثّل
فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه
عن المصطفى, والله يعطي ويجزل
**
وكان رفيع الخصال, عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان..!!
فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة, وكان ثراؤه عريضا, ولكنه أنفقه في الاسلام حتى مات مدينا..!!
وكان توكله على الله منطلق جوده, ومنطلق شجاعته وفدائيته..
حتى وهو يجود بروحه, ويوصي ولده عبدالله بقضاء ديونه قال له:
" اذا أعجزك دين, فاستعن بمولاي"..
وسال عبدالله: أي مولى تعني..؟
فأجابه: الله, نعم المولى ونعم النصير"..
يقول عبدالله فيما بعد:
" فوالله ما وقعت في كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه, فيقضيه".
وفي يوم الجمل, على النحو الذي ذكرنا في حديثنا السالف عن حياة سيدنا طلحة كانت نهاية سيدنا الزبير ومصيره..
فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال, وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال, وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدي ربه يصلي..
وذهب القاتل الى الامام علي يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير, وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه, بعد اقتراف جريمته..
لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن, صاح آمرا بطرده قائلا:
" بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار"..
وحين أدخلوا عليه سيف الزبير, قبّله الامام وأمعن بالبكاء وهو يقول:
" سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله"..!!
أهناك تحيّة نوجهها للزبير في ختام حديثنا عنه, أجمل وأجزل من كلمات الامام..؟؟
سلام على الزبير في مماته بعد محياه..
سلام, ثم سلام, على حواري رسول الله... | |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 31/3/2011, 15:36 | |
| خبيب بن عديّ
بطل.. فوق الصليب..!!
والآن..
افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال..
وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان..
تعالوا, خفافا وثقالا..
تعالوا مسرعين, وخاشعين..
وأقبلوا, لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..!!
تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟؟
أجل كانت دروسا..
وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير..
ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية..
أستاذ لو فاتكم مشهده, فقد فاتكم خير كثير, جدّ كثير..
الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد..
الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد..
وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور, وظننتم بالأديان والايمان ظنّ السّوء..
تعالوا بغروركم..!
تعالوا وانظروا أية عزة, وأية منعة, وأي ثبات, وأيّ مضاء.. وأي فداء, وأي ولاء..
وبكلمة واحدة, أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!!
أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟
انه موضوع درسنا اليوم, يا كلّ بني الانسان...!
هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع, وهو الدرس, وهو الاستاذ..
اسمه خبيب بن عديّ.
احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا.
واحفظوه وانشدوه, فانه شرف لكل انسان.. من كل دين, ومن كل مذهب, ومن كل جنس, وفي كل زمان..!!
انه من أوس المدينة وأنصارها.
تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليهم, وآمن بالله رب العالمين.
كان عذب الروح, شفاف النفس, وثيق الايمان, ريّان الضمير.
كان كما وصفه حسّان بن ثابت:
صقرا توسّط في الأنصار منصبه
سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب
ولما رفعت غزوة بدر أعلامها, كان هناك جنديا باسلا, ومقاتلا مقداما.
وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.
وبعد انتهاء المعركة, وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم, وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!!
وعاد المسلمون من بدر الى المدينة, يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد..
وكان خبيب عابدا, وناسكا, يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين, وشوق العابدين..
هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل, ويصوم النهار, ويقدّس الله رب العالمين..
وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش, ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها, واستعدادها لغزو جديد.. فاختار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.
وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة, نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم, وراحوا يتعقبونهم, ويقتفون آثارهم..
وكادوا يزيغون عنهم, لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة, ثم صاح في الذين معه:
" انه نوى يثرب, فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..
وساروا مع النوى المبثوث على الأرض, حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..
وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون, فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..
واقترب الرماة المائة, وأحاطوا بهم عند سفح الجبل وأحكموا حولهم الحصار..
ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.
والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.
وانتظروا بما يأمر..
فاذا هو يقول:" أما أنا, فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..
اللهم أخبر عنا نبيك"..
وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد, وأصيب معه سبعة واستشهدوا..
ونادوا الباقين, أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا.
فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه..
واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم, وربطوهما بها..
ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر, فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه..
واستشهد حيث أراد..
وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا, وأبرّهم عهدا, وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!!
وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما, ولكنه كان شديد الاحكام.
وقادهما الرماة البغاة الى مكة, حيث باعوهما لمشركيها..
ودوّى في الآذان اسم خبيب..
وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر, تذكّروا ذلك الاسم جيّدا, وحرّك في صدورهم الأحقاد.
وسارعوا الى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم. وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم, ليس منه وحده, بل ومن جميع المسلمين..!!
وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا..
أسلم خبيب قلبه, وأمره,ومصيره لله رب العالمين.
وأقبل على نسكه ثابت النفس, رابط الجأش, معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر, ويلاشي الهول.
كان الله معه.. وكان هو مع الله..
كانت يد الله عليه, يكاد يجد برد أناملها في صدره..!
دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره, فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكي يبصروا عجبا..
" والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه..
وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة..
ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!!
أجل آتاه الله عبده الصالح, كما آتى من قبل مريم بنت عمران, يوم كانت:
( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا..
قال يا مريم أنّى لك هذا
قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)..
وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه.
ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه, ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه, وأنزل عليه سكينته ورحمته.
وراحوا يساومونه على ايمانه, ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد, ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!
أجل, كان ايمان خبيب كالشمس قوة, وبعدا, ونارا ونورا..
كان يضيء كل من التمس منه الضوء, ويدفئ كل من التمس منه الدفء, أما الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه..
واذا يئسوا مما يرجون, قادوا البطل الى مصيره, وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه..
وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين, وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..
وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام وإخبات...
وتدفقت في روحه حلاوة الايمان, فودّ لو يظل يصلي, ويصلي ويصلي..
ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم:
" والله لولاتحسبوا أن بي جزعا من الموت, لازددت صلاة"..!!
ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال:
" اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا"..
ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع
ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب..
ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.
وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!!
لم يغمض عينيه, ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.
وبدأت الرماح تنوشه, والسيوف تنهش لحمه.
وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له:
" أتحب أن محمدا مكانك, وأنت سليم معافى في أهلك"..؟؟
وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح, في قاتليه:
" والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي, معي عافية الدنيا ونعيمها, ويصاب رسول الله بشوكة"..
نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادقة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان, وكان لم يسلم بعد, يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!!
كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها, فتناوشه في جنون ووحشية..
وقريبا من المشهد كانت تحوم طيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة..
ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت, وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى.
وفجأة طارت تشق الفضاء, وتمضي بعيدا.. بعيدا..
لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب, فعدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!!
مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة.
وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية..
وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسيوف..!!
كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا, قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا:
" اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"..
واستجاب الله دعاءه..
فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة..
وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..
ومن فوره دعا المقداد بن عمرو, والزبير بن العوّام..
فركبا فرسيهما, ومضيا يقطعان الأرض وثبا.
وجمعهما الله بالمكان المنشود, وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب, حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب.
ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.
ولعل ذلك أحرى به وأجدر, حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ, وفي ضمير الحياة, بطلا.. فوق الصليب..!!!
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 5/4/2011, 14:46 | |
| عمير بن سعد
نسيج وحده
أتذكرون سعيد بن عامر..؟؟
ذلك الزاهد العابد الأوّاب الذي حمله أمير المؤمنين عمر على قبول امارة الشام وولايتها..
لقد تحدثنا عنه في كتابنا هذا, ورأينا من زهده وترفعه, ومن ورعه العجب كله..
وها نحن أولاء, نلتقي على هذه الصفات بأخ له, بل توأم, في الورع وفي الزهد, وفي الترفع.. وفي عظمة النفس التي تجل عن النظير..!!
انه عمير بن سعد..
كان المسلمون يلقبونه نسيج وحده!!
وناهيك برجل يجمع على تلقيبه بهذا اللقب أصحاب رسول الله, وبما معهم من فضل وفهم ونور..!!
أبوه سعد القارئ رضي الله عنه.. شهد بدرا مع رسول الله والمشاهد بعدها.. وظلّ أمينا على العهد حتى لقي الله شهيدا في موقعة القادسية.
ولقد اصطحب ابنه الى الرسول, فبايع النبي وأسلم..
ومنذ أسلم عمير وهو عابد مقيم في محراب الله.
يهرب من الأضواء, ويفيئ الى سكينة الظلال.
هيهات أن تعثر عليه في الصفوف الأولى, الا أن تكون صلاة, فهو يرابط في صفها الأول ليأخذ ثواب السابقين.. والا أن يكون جهاد, فهو يهرول الى الصفوف الأولى, راجيا أن يكون من المستشهدين..!
وفيما عدا هذا, فهو هناك عاكف على نفسه ينمي برّها, وخيرها وصلاحها وتقاها..!!
متبتل, ينشد أوبه..!!
أوّاب, يبكي ذنبه..!!
مسافر الى الله في كل ظعن, وفي كل مقام...
ولقد جعل الله له في قلوب الأصحاب ودّا, فكان قرّة أعينهم ومهوى أفئدتهم..
ذلك أن قوة ايمانه, وصفاء نفسه, وهدوء سمته, وعبير خصاله, واشراق طلعته, كان يجعله فرحة وبهجة لكل من يجالسه, أو يراه.
ولم يكن يؤثر على دينه أحدا, ولا شيئا.
سمع يوما جلاس بن سويد بن الصامت, وكان قريبا له.. سمعه يوما وهو في دارهم يقول:" لئن كان الرجل صادقا, لنحن شرّ من الحمر"..!!
وكان يعني بالرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان جلاس من الذين دخلوا الاسلام رهبا.
سمع عمير بن سعد هذه العبارات ففجرت في نفسه الوديعة الهادئة الغيظ والحيرة..
الغيظ, لأن واحدا يزعم أنه من المسلمين يتناول الرسول بهذه اللهجة الرديئة..
والحيرة, لأن خواطره دارت سريعا على مسؤوليته تجاه هذا الذي سمع وأنكر..
ينقل ما سمع الى رسول الله؟؟
كيف, والمجالس بالأمانة..؟؟
أيسكت ويطوي صدره ما سمع؟
كيف؟؟
وأين ولاؤه ووفاؤه للرسول الذي هداهم الله به من ضلالة, وأخرجهم من ظلمة..؟
لكن حيرته لم تطل, فصدق النفس يجد دائما لصاحبه مخرجا..
وعلى الفور تصرّف عمير كرجل قوي, وكمؤمن تقي..
فوجه حديثه الى جلاس بن سويد..
" والله يا جلاس, انك لمن أحب الناس الي, وأحسنهم عندي يدا, وأعزهم عليّ أن يصيبه شيء يكرهه..
ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك.. وان صمتّ عليها, ليهلكن ديني, وان حق الدين لأولى بالوفاء, واني مبلغ رسول الله ما قلت"..!
وأرضى عمير ضميره الورع تماما..
فهو أولا أدّى أمانة المجلس حقها, وارتفع بنفسه الكبيرة عن ان يقوم بدور المتسمّع الواشي..
وهو ثانيا أدى لدينه حقه, فكشف عن نفاق مريب..
وهو ثالثا أعطى جلاس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار الله منه حين صارحه بأنه سيبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم, ولو أنه فعل آنئذ, لاستراح ضمير عمير ولم تعد به حاجة لابلاغ الرسول عليه السلام..
بيد أن جلاسا أخذته العزة بالاثم, ولم تتحرك شفتاه بكلمة أسف أو اعتذار, وغادرهم عمير وهو يقول:
" لأبلغنّ رسول الله قبل أن ينزل وحي يشركني في اثمك"...
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب جلاس فأنكر أنه قال, بل حلف بالله كاذبا..!!
لكن آية القرآن جاءت تفصل بين الحق والباطل:
( يحلفون بالله ما قالوا.. ولقد قالوا كلمة الكفر, وكفروا بعد اسلامهم, وهمّوا بما لم ينالوا.. وما نقموا الا أن أغناهم الله ورسوله من فضله.. فان يتوبوا يك خيرا لهم, وان يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة,وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير)..
واضطر جلاس أن يعترف بمقاله, وأن يعتذر عن خطيئته, لا سيما حين رأى الآية الكريمة التي تقرر ادانته, تعده في نفس اللحظة برحمة الله ان تاب هو وأقلع:
" فان يتوبوا, يك خيرا لهم"..
وكان تصرّف عمير هذا خيرا وبركة على جلاس فقد تاب وحسن اسلامه..
وأخذ النبي بأذن عمير وقال له وهو يغمره بسناه:
" يا غلام..
وفت اذنك..
وصدّقك ربك"..!!
لقد سعدت بلقاء عمير لأول مرة, وأنا أكتب كتابي بين يدي عمر.
وبهرني, كما لم يبهرني شيء, نبأه مع أمير المؤمنين.. هذا النبأ الذي سأرويه الآن لكم, لتشهدوا من خلاله العظمة في أبهى مشارقها..
تعلمون أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان يختار ولاته وكأنه يختار قدره..!!
كان يختارهم من الزاهدين الورعين, والأمناء الصادقين.. الذين يهربون من الامارة والولاية, ولا يقبلونها الا حين يكرههم عليها أمير المؤمنين..
وكان برغم بصيرته النافذة وخبرته المحيطة يستأني طويلا, ويدقق كثيرا في اختيار ولاته ومعاونيه..
وكان لا يفتأ يردد عبارته المأثورة:
" أريد رجلا اذا كان في القوم, وليس أميرا عليهم بدا وكأنه أميرهم.. واذا كان فيهم وهو عليهم امير, بدا وكأنه واحد منهم..!!
أريد واليا, لا يميز نفسه على الناس في ملبس, ولا في مطعم, ولا في مسكن..
يقيم فيهم الصلاة.. ويقسم بينهم بالحق.. ويحكم فيهم بالعدل.. ولا يغلق بابه دون حوائجهم"..
وفي ضوء هذه المعايير الصارمة, اختار ذات يوم عمير بن سعد واليا على حمص..
وحاول عمير أن يخلص منها وينجو, ولكن أمير المؤمنين ألزمه بها الزاما, وفرضها عليه فرضا..
واستخار الله ,ومضى الى واجبه وعمله..
وفي حمص مضى عليه عام كامل, لم يصل الى المدينة منه خراج..
بل ولم يبلغ أمير المؤمنين رضي الله عنه منه كتاب..
ونادى أمير المؤمنين كاتبه وقال له:
" اكتب الى عمير ليأتي الينا"..
وهنا أستأذنكم في أن أنقل صورة اللقاء بين عمر وعمير, كما هي في كتابي بين يدي عمر.
" ذات يوم شهدت شوارع المدينة رجلا أشعث أغبر, تغشاه وعثاء السفر, يكاد يقتلع خطاه من الأرض اقتلاعا, من طول ما لاقى من عناء, وما بذل من جهد..
على كتفه اليمنى جراب وقصعة..
وعلى كتفه اليسرى قربة صغيرة فيها ماء..!
وانه ليتوكأ على عصا, لا يؤدها حمله الضامر الوهنان..!!
ودلف الى مجلس عمر فى خطى وئيدة..
السلام عليك يا امير المؤمنين..
ويرد عمر السلام, ثم يسأله, وقد آلمه ما رآه عليه من جهد واعياء:
ما شأنك يا عمير..؟؟
شأني ما ترى.. ألست تراني صحيح البدن, طاهر الدم, معي الدنيا أجرّها بقرنيها..؟؟!!
قال عمر: وما معك..؟
قال عمير: معي جرابي أحمل فيه زادي..
وقصعتي آكل فيها.. واداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي.. وعصاي أتوكأ عليها, وأجاهد بها عدوّا ان عرض.. فوالله ما الدنيا الا تبع لمتاعي..!!
قال عمر: أجئت ماشيا..
عمير: نعم..
عمر: أولم تجد من يعطيك دابة تركبها..؟
عمير: انهم لم يفعلوا.. واني لم أسألهم..
عمر: فماذا عملت فيما عهدنا اليك به...؟
عمير: أتيت البلد الذي يعثتني اليه, فجمعت صلحاء أهله, ووليتهم جباية فيئهم وأموالهم, حتى اذا جمعوها وضعوها في مواضعها.. ولو بقي لك منها شيء لأتيتك به..!!
عمر: فما جئتنا بشيء..؟
عمير: لا..
فصاح عمر وهو منبهر سعيد:
جدّدوا لعمير عهدا..
وأجابه عمير في استغناء عظيم:
تلك أيام قد خلت.. لا عملت لك, ولا لأحد بعدك"..!!
هذه لصورة ليست سيناريو نرسمه, وليست حوارا نبتدعه.. انما هي واقعة تاريخية, شهدتها ذات يوم أرض المدينة عاصمة الاسلام في أيام خلده وعظمته.
فأي طراز من الرجال كان أولئك الأفذاذ الشاهقون..؟!!
وكان عمر رضي الله عنه يتمنى ويقول:
" وددت لو أن لي رجالا مثل عمير أستعين بهم على أعمال المسلمين"..
ذلك أن عميرا الذي وصفه أصحابه بحق بأنه نسيج وحده كان قد تفوّق على كل ضعف انساني يسببه وجودنا المادي, وحياتنا الشائكة..
ويوم كتب على هذا القدّيس العظيم أن يجتاز تجربة الولاية والحكم, لم يزدد ورعه بها الا مضاء ونماء وتألقا..
ولقد رسم وهو أمير على حمص واجبات الحاكم المسلم في كلمات طالما كان يصدح بها في حشود المسلمين من فوق المنبر.
وها هي ذي:
" ألا ان الاسلام حائط منيع, وباب وثيق
فحائط الاسلام العدل.. وبابه الحق..
فاذا نقض الحائط, وحطّم الباب, استفتح الاسلام.
ولا يزال الاسلام منيعا ما اشتدّ السلطان
وليست شدّة السلطان قتلا بالسيف, ولا ضربا بالسوط..
ولكن قضاء بالحق, وأخذا بالعدل"..!!
والآن نحن نودّع عميرا.. ونجييه في اجلال وخشوع, تعالوا نحني رؤوسنا وجباهنا:
لخير المعلمين: محمد..
لامام المتقين: محمد..
لرحمة الله المهداة الى الناس في قيظ الحياة
عليه من الله صلاته. وسلامه..
وتحياته وبركاته..
وسلام على آله الآطهار..
وسلام على أصحابه الأبرار...
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 16/4/2011, 10:29 | |
| زيد بن ثابت
جامع القرآن
اذا حملت المصحف بيمينك, واستقبلته بوجهك, ومضيت تتأنق في روضاته اليانعات, سورة سورة, وآية آية, فاعلم أن من بين الذين يدينونك بالشكر والعرفان على هذا الصنع العظيم, رجل كبير اسمه: زيد بن ثابت...!!
وان وقائع جمع القرآن في مصحف, لا تذكر الا ويذكر معها هذا الصحابي الجليل..
وحين تنثر زهور التكريم على ذكرى المباركين الذين يرجع اليهم فضل جمع القرآن وترتيبه وحفظه, فان حظ زيد بن ثابت من تلك الزهور, لحظ عظيم..
هو أنصاري من المدينة..
وكان سنّه يوم قدمها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا, احدى عشرة سنة, وأسلم الصبي الصغير مع المسلمين من أهله, وبورك بدعوة من الرسول له..
وصحبه آباؤه معهم الى غزوة بدر, لكن رسول الله ردّه لصغر سنه وحجمه, وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من اترابه الى الرسول يحملون اليه ضراعتهم كي يقبلهم في أي مكان من صفوف المجاهدين..
وكان أهلوهم أكثر ضراعة والحاحا ورجاء..
ألقى الرسول على الفرسان الصغار نظرة شاكرة, وبدا كأنه سيعتذر عن تجنيدهم في هذه الغزوة أيضا..
لكن أحدهم وهو رافع بن خديج, تقدم بين يدي رسول الله, يحمل حربة, ويحركها بيمينه حركات بارعة,وقال للرسول عليه الصلاة والسلام:
" اني كما ترى رام, أجيد الرمي فأذن لي"..
وحيا الرسول هذه البطولة الناشئة, النضرة, بابتسامة راضية, ثم أذن له..
وانتفضت عروق أترابه..
وتقدم ثانيهم وهو سمرة بن جندب, وراح يلوّح في أدب بذراعيه المفتولين, وقال بعض اهله للرسول:
" ان سمرة يصرع رافعا"..
وحيّاه الرسول بابتسامته الحانية, وأذن له..
كانت سن كل من رافع وسمرة قد بلغت الخامسة عشرة, الى جانب نموهما الجسماني القوي..
وبقي من الأتراب ستة أشبال, منهم زيد بن ثابت, وعبدالله بن عمر..
ولقد راحوا يبذلون جهدهم وضراعتهم بالرجاء تارة, وبالدمع تارة, وباستعراض عضلاتهم تارة..
لكن أعمارهم كانت باكرة, وأجسامهم غضة, فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة..
بدأ زيد مع اخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءا من غزوة الخندق, سنة خمس من الهجرة.
كانت شخصيته المسلمة المؤمنة تنمو نموّا سريعا وباهرا, فهو لم يبرع كمجاهد فحسب, بل كمثقف متنوع المزايا أيضا, فهو يتابع القرآن حفظا, ويكتب الوحي لرسوله, ويتفوق في العلم والحكمة, وحين يبدأ رسول الله في ابلاغ دعوته للعالم الخارجي كله, وارسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها, يأمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فيتعلمها في وقت وجيز..
وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت وتبوأ في المجتمع مكانا عليّا, وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم..
يقول الشعبي:
" ذهب زيد بن ثابت ليركب, فأمسك ابن عباس بالرّكاب.
فقال له زيد: تنحّ يا ابن عم رسول الله.. فأجابه ابن عباس: لا, هكذا نصنع بعلمائنا"..
ويقول قبيصة:
" كان زيدا رأسا بالمدينة في القضاء, والفتوى والقراءة, والفرائض"..
ويقول ثابت بن عبيد:
" ما رأيت رجلا أفكه في بيته, ولا أوقر في مجلسه من زيد".
ويقول ابن عباس:
" لقد علم .. من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم"..
ان هذه النعوت التي يرددها عنه أصحابه لتزيدنا معرفة بالرجل الذي تدّخر له المقادير شرف مهمة من أنبل المهام في تاريخ الاسلام كله..
مهمة جمع القرآن..
منذ بدأ الوحي يأخذ طريقه الى رسول الله ليكون من المنذرين, مستهلا موكب القرآن والدعوة بهذه الآيات الرائعة..
( اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الانسان ما لم يعلم)..
منذ تلك البداية, والوحي يصاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام, ويخف اليه كلما ولّى وجهه شطر الله راجيا نوره وهداه..
وخلال سنوات الرسالة كلها, حيث يفرغ النبي من غزوة ليبدأ بأخرى, وحيث يحبط مكيدة وحربا, ليواجه خصومة بأخرى, وأخرى. وحيث يبني عالما جديدا بكل ما تحمله من الجدّة من معنى..
كان الوحي يتنزل, والرسول يتلو, ويبلّغ, وكان هناك ثلة مباركة تحرّك حرصها على القرآن من أول يوم, فراح بعضهم يحفظ منه ما استطاع, وراح البعض الآخر ممن يجيدون الكتابة, يحتفظون بالآيات مسطورة.
وخلال احدى وعشرين سنة تقريبا, نزل القرآن خلالها آية آية, أو آيات, تلو آيات, ملبيا مناسبات النزول وأسبابها, كان أولئك الحفظة, والمسجلون, يوالون عملهم في توفيق من الله كبير..
ولم يجيء القرآن مرة واحدة وجملة واحدة, لأنه ليس كتابا مؤلفا, ولا موضوعا.
انما هو دليل أمة جديدة تبني على الطبيعة, لبنة لبنة, ويوما يوما, تنهض عقيدتها, ويتشكل قلبها, وفكرها, وارادتها وفق مشيئة الهية, لا تفرض نفسها من عل, وانما تقود التجربة البشرية لهذه الأمة في طريق الاقتناع الكامل بهذه المشيئة..
ومن ثمّ, كان لا بد للقرآن أن يجيء منجّما, ومجزءا, ليتابع التجربة في سيرها النامي, ومواقفها المتجددة. وأزماتها المتصديّة.
توافر الحفاظ, والكتبة, كما ذكرنا من قبل, على حفظ القرآن وتسجيله,وكان على رأسهم علي ابن ابي طالب, وأبيّ بن كعب, وعبدالله ابن مسعود, وعبدالله بن عباس, وصاحب الشخصية الجليلة التي نتحدث عنها الآن زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين..
وبعد أن تمّ نزولا, وخلال الفترة الأخيرة من فترات تنزيله, كان الرسول يقرؤه على المسلمين.. مرتبا سوره وآياته.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام شغل المسلمون من فورهم بحروب الردّة..
وفي معركة اليمامة.. التي تحدثنا عنها من قبل خلال حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الخطاب كان عدد الشهدا من قرّاء القرآن وحفظته كبيرا.. فما كادت نار الردّة تخبو وتنطفئ حتى فزع عمر الى الخليفة أبي بكر رضي الله عنهما راغبا اليه في الحاح أن يسارعوا الى جمع القرآن قبلما يدرك الموت والشهادة بقية القرّاء والحفاظ.
واستخار الخليفة ربه.. وشاور صحبه.. ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:
" انك شاب عاقل لا نتهمك".
وأمره أن يبدأ بجمع القرآن الكريم, مستعينا بذوي الخبرة في هذا الموضوع..
ونهض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصير الاسلام كله كدين..!
وأبلى بلاء عظيما في انجاز أشق المهام وأعظمها, فمضى يجمع الآيات والسور من صدور الحفاظ, ومن مواطنها المكتوبة, ويقابل, ويعارض, ويتحرّى, حتى جمع القرآن مرتبا ومنسقا..
ولقد زكّى عمله اجماع الصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا يسمعونه من رسولهم صلى الله عليه وسلم خلال سنوات الرسالة جميعها, لا سيّما العلماء منهم والحفاظ والكتبة..
وقال زيد وهو يصوّر الصعوبة الكبرى التي شكلتها قداسة المهمة وجلالها..
" والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه, لكان أهون عليّ مما أمروني به من جمع القرآن"..!!
أجل..
فلأن يحمل زيد فوق كاهله جبلا, أو جبالا, أرضى لنفسه من أن يخطئ أدنى خطأ, في نقل آية أو اتمام سورة..
كل هول يصمد له ضميره ودينه.. الا خطأ كهذا مهما يكن ضعيفا وغير مقصود..
ولكن توفيق الله كان معه, كان معه كذلك وعده القائل:
( انا نحن نزلنا الذكر وان له لحافظون)..
فنجح في مهمته, وأنجز على خير وجه مسؤوليته وواجبه.
كانت هذه هي المرحلة الأولى في جمع القرآن..
بيد أنه جمع هذه المرة مكتوبا في أكثر من مصحف..
وعلى لرغم من أن مظاهر التفاوت والاختلاف بين هذه المصاحف كانت شكلية, فان التجربة أكّدت لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وجوب توحيدها جميعها في مصحف واحد.
ففي خلافة عثمان رضي الله عنه, والمسلمون يواصلون فتوحاتهم وزحوفهم, مبتعدين عن المدينة, مغتربين عنها..
في تلك الأيام, والاسلام يستقبل كل يوم أفواجا تلو أفواج من الداخلين فيه, المبايعين اياه, ظهر جليّا ما يمكن أن يفضي اليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين..
هنالك تقدم الى الخليفة عثمان فريق من الأصحاب رضي الله عنهم على رأسهم حذيفة بن اليمان مفسرين الضرورة التي تحتم توحيد المصحف..
واستخار الخليفة ربه وشاور صحبه..
وكما استنجد أبو بكر الصديق من قبل بزيد بن ثابت, استنجد به عثمان أيضا..
فجمع زيد أصحابه وأعوانه, وجاؤوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر رضي الله عنها, وكانت محفوظة لديها, وباشر زيد وصحبه مهمتهم العظيمة الجليلة..
كان كل الذين يعاونون زيدا من كتاب الوحي, ومن حفظة القرآن..
ومع هذا فما كانوا يختلفون , وقلما كانوا يختلفون, الا جعلوا رأي زيد وكلمته هي الحجة والفيصل.
والآن نحن نقرأ القرآن العظيم ميسّرا, أو نسمعه مرتلا, فان الصعوبات الهائلة التي عاناها الذين اصطنعهم الله لجمعه وحفظه لا تخطر لنا على بال..!!
تماما مثل الأهوال التي كابدوها, والأرواح التي بذلوها, وهم يجاهدون في سبيل الله, ليقرّوا فوق الأرض دينا قيّما, وليبددوا ظلامها بنوره المبين..
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 20/4/2011, 11:35 | |
| خالد بن سعيد
فدائيّ, من الرعيل الأول
في بيت وارف النعمة, مزهو بالسيادة, ولأب له في قريش صدارة وزعامة, ولد خالد بن سعيد بن العاص, وان شئتم مزيدا من نسبه فقولوا: ابن اميّة بن عبد شمس بن عبد مناف..
ويوم بدأت خيوط النور تسري في أنحاء مكة على استحياء, هامسة بأن محمدا الأمين يتحدث عن وحي جاءه في غار حراء, وعن رسالة تلقاها من الله ليبلغها الى عباده, كان قلب خالد يلقي للنور الهامس سمعه وهو شهيد..!!
وطارت نفسه فرحا, كأنما كان وهذه الرسالة على موعد.. وأخذ يتابع خيوط النور في سيرها ومسراها.. وكلما سمع ملأ من قومه يتحدثون عن الدين الجديد, جلس اليهم وأصغى في حبور مكتوم, وبين الحين والحين يطعّم الحديث بكلمة منه, أو كلمات تدفعه في طريق الذيوع, والتأثير, والايحاء..!
كان الذي يراه آنئذ, يبصر شابا هادئ السمت, ذكيّ الصمت, بينما هو في باطنه وداخله, مهرجان حافل بالحركة والفرح.. فيه طبول تدق.. ورايات ترتفع.. وأبواق تدوّي.. وأناشيد تصلي.. وأغاريد تسبّح..
عيد بكل جمال العيد, وبهجة العيد وحماسة العيد, وضجة العيد..!!!
وكان الفتى يطوي على هذا العيد الكبير صدره, ويكتم سرّه, فان أباه لو علم أنه يحمل في سريرته كل هذه الحفاوة بدعوة محمد, لأزهق حياته قربانا لآلهة عبد مناف..!!
ولكن أنفسنا الباطنة حين تفعم بأمر, ويبلغ منها حدّ الامتلاء فانها لا تملك لافاضته دفعا..
وذات يوم..
ولكن لا.. فان النهار لم يطلع بعد, وخالد ما زال في نومه اليقظان, يعالج رؤيا شديدة الوطأة, حادة التأثير, نفاذة العبير..
نقول اذن: ذات ليلة, رأى خالد بن سعيد في نومه أنه واقف على شفير نار عظيمة, وأبوه من ورائه يدفعه بكلتا يديه, ويريد أن يطرحه فيها, ثم رأى رسول الله يقبل عليه, ويجذبه بيمينه المباركة من ازاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب..
ويصحو من نومه مزوّدا بخطة العمل في يومه الجديد, فيسارع من فوره الى دار أبي بكر, ويقصّ عليه الرؤيا.. وما كانت الرؤيا بحاجة الى تعبير.. وقال له أبو بكر:
" انه الخير أريد لك.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه, فان الاسلام حاجزك عن النار".
وينطلق خالد باحثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يهتدي الى مكانه فيلقاه, ويسأل النبي عن دعوته, فيجيبه عليه السلام:
" تؤمن بالله وحده, ولا تشرك به شيئا..
وتؤمن بمحمد عبده ورسوله.. وتخلع عبادة الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر, ولا تضر ولا تنفع"..
ويبسط خالد يمينه, فتلقاها يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفاوة, ويقول خالد:
" اني أشهد أن لا اله الا الله...
وأشهد أن محمدا رسول الله"..!!
وتنطلق أغاريد نفسه وأناشيدها..
ينطلق لمهرجان كله الذي كان في باطنه.. ويبلغ النبأ أباه.
يوم أسلم سعيد, لم يكن قد سبقه الى الاسلام سور اربعة أو خمسة,فهو اذن من الخمسة الأوائل المبكرين الى الاسلام.
وحين يباكر بالاسلام واحد من ولد سعيد بن العاص, فان ذلك في رأي سعيد, عمل يعرّضه للسخرية والهوان من قريش, ويهز الأرض تحت زعامته.
وهكذا دعا اليه خالد, وقال له:" أصحيح أنك اتبعت محمدا وأنت تسمعه يعيب آلهتنا"..؟؟
قال خالد: " انه والله لصادق..
ولقد آمنت به واتبعته"..
هنالك انهال عليه أبوه ضربا, ثم زجّ به في غرفة مظلمة من داره, حيث صار حبيسها, ثم راح يضنيه ويرهقه جوعا وظمأ..
وخالد يصرخ فيهم من وراء الباب المغلق عليه:
" والله انه لصادق, واني به لمؤمن".
وبدا لسعيد أن ما أنزل بولده من ضرر لا يكفي, فخرج به الى رمضاء مكة, حيث دسّه بين حجارتها الثقيلة الفادحة الملتهبة ثلاثة أيام لا يواريه فيها ظل..!!
ولا يبلل شفتيه قطرة ماء..!!
ويئس الوالد من ولده, فعاد به الى داره, وراح يغريه, ويرهبه.. يعده, ويتوعّده.. وخالد صامد كالحق, يقول لأبيه:
" لن أدع الاسلام لشيء, وسأحيا به وأموت عليه"..
وصاح سعيد:
" اذن فاذهب عني يا لكع, فواللات لأمنعنّك القوت"..
وأجابه خالد:
".. والله خير الرازقين"..!!
وغادر الدار التي تعجّ بالرغد, من مطعم وملبس وراحة..
غادرها الى الخصاصة والحرمان..
ولكن أي بأس..؟؟
أليس ايمانه معه..؟؟
ألم يحتفظ بكل سيادة ضميره, وبكل حقه في مصيره..؟؟
ما الجوع اذن, وما الحرمان, وما العذاب..؟؟
واذا وجد انسان نفسه مع حق عظيم كهذا الحق الذي يدعو اليه محمد رسول الله, فهل بقي في العالم كله شيء ثمين لم يمتلكه من ربح نفسه في صفقة, الله صاحبها وواهبها...؟؟
وهكذا راح خالد بن سعيد يقهر العذاب بالتضحية, ويتفوق على الحرمان بالايمان..
وحين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المؤمنين بالهجرة الثانية الى الحبشة, كان خالد بن سعيد, ممن شدّوا رحالهم اليها..
ويمكث خالد هناك الى ما شاء الله ان يمكث, ثم يعود مع اخوانه راجعين الى بلادهم, سنة سبع, فيجدون المسلمين قد فرغوا لتوهم من فتح خيبر..
ويقيم خالد بالمدينة وسط المجتمع المسلم الجديد الذي كان أحد الخمسة الأوائل الذين شهدوا ميلاده, وأسسوا بناءه, ولا يغزو النبي غزوة, ولا يشهد مشهدا, الا وخالد بن سعيد من السابقين..
وكان خالد بسبقه الى الاسلام, وباستقامة ضميره ونهجه موضع الحب والتكريم..
كان يحترم اقتناعه فلا يزيفه ولا يضعه موضع المساومة.
قبل وفاة الرسول جعله عليه السلام واليا على اليمن..
ولما ترامت اليه أنباء استخلاف أبي بكر, ومبايعته غادر عمله قادما الى المدينة..
وكانه يعرف لأبي بكر الفضل الذي لا يطاول..
بيد أنه كان يرى أن أحق المسلمين بالخلافة واحد من بين هاشم:
العباس مثلا, أو عليّ ابن أبي طالب..
ووقف الى جانب اقتناعه فلم يبايع أبا بكر..
وظل أبو بكر على حبه له, وتقديره اياه لا يكرهه على أن يبايع, ولا يكرهه لأنه لم يبايع, ولا يأتي ذكره بين المسلمين الا أطراه الخليفة العظيم, وأثنى عليه بما هو أهله..
ثم تغيّر اقتناع خالد بن سعيد, فاذا هو يشق الصفوف في المسجد يوما وأبو بكر فوق المنبر, فيبايعه بيعة صادقة وثقى..
ويسيّر أبا بكر جيوشه الى الشام, ويعقد لخالد بن سعيد لواء, فيصير أحد أمراء الجيش..
ولكن يحدث قبل أن تتحرك القوات من المدينة أن يعارض عمر في امارة خالد بن سعيد, ويظل يلح على الخليفة أن يغيّر قراره بشأن امارة خالد..
ويبلغ النبأ خالد, فلا يزيد على قول:
" والله ما سرّتنا ولايتكم, ولا ساءنا عزلكم"..!!
ويخفّ الصدّيق رضي الله عنه الى دار خالد معتذرا له, ومفسرا له موقفه الجديد, ويسأله مع من من القوّاد والأمراء يجب أن يكون: مع عمرو بن العاص وهو ابن عمه, أو مع شرحبيل بن حسنة؟
فيجيب خالد اجابة تنمّ على عظمة نفسه وتقاها:
" ابن عمّي أحبّ اليّ في قرابته, وشرحبيل أحبّ اليّ في دينه"..
ثم اختار أن يكون جنديا في كتيبة شرحبيل بن حسنة..
ودعا ابو بكر شرحبيل اليه قبل أن يتحرّك الجيش, وقال له:
" انظر خالد بن سعيد, فاعرف له من الحق عليك, مثل ما كنت تحبّ أن يعرف من الحق لك, لو كنت مكانه, وكان مكانك..
انك لتعرف مكانته في الاسلام..
وتعلم أن رسول الله توفى وهو له وال..
ولقد كنت وليته ثم رأيت غير ذلك..
وعسى أن يكون ذلك خيرا له في دينه, فما أغبط أحد بالامارة..!!
وقد خيّرته في أمراء الجند فاختارك على ابن عمّه..
فاذا نزل بك أمر تحتاج فيه الى رأي التقي الناصح, فليكن أول من تبدأ به: أبو عبيدة بن الجرّاح, ومعاذ بن جبل.. واليك خالد بن سعيد ثالثا, فانك واجد عندهم نصحا وخيرا..
واياك واستبداد الرأي دونهم, أو اخفاءه عنهم"..
وفي موقعه مرج الصفر بأرض الشام, حيث كانت المعارك تدور بين المسلمين والروم, رهيبة ضارية, كان في مقدمة الذين وقع أجرهم على اله, شهيد جليل, قطع طريق حياته منذ شبابه الباكر حتى لحظة استشهاده في مسيرة صادقة مؤمنة شجاعة..
ورآه المسلمون وهم يفحصون شهداء المعركة, كما كان دائما, هادئ السّمت, ذكي الصمت, قوي التصميم, فقالوا:
" اللهم ارض عن خالد بن سعيد"..!!
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 27/4/2011, 13:59 | |
| أبو أيوب الأنصاري
انفروا خفافا وثقالا
كان الرسول عليه السلام يدخل المدينة مختتما بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة, ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس..
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة, ومحبة وشوقا... ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول الله..
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف, فاعترضوا طريق الناقة قائلين:
" يا رسول الله, أقم عندنا, فلدينا العدد والعدة والمنعة"..
ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:
" خلوا سبيلها فانها مأمورة".
ويبلغ الموكب دور بني بياضة, فحيّ بني ساعدة, فحي بني الحارث بن الخزرج, فحي عدي بن النجار.. وكل بني قبيل من هؤلاء يعترض سبيل الناقة, وملحين أن يسعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنزول في دورهم.. والنبي يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة:
" خلوا سبيلها فانها مأمورة..
لقد ترك النبي للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لها المنزل خطره وجلاله.. ففوق أرضه سينهض المسجد الذي تنطلق منه الى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره.. والى جواره ستقوم حجرة أو حجرات من طين وطوب.. ليس بها من متاع الدنيا سوى كفاف, أو أطياف كفاف!! سيسكنها معلم, ورسول جاء لينفخ الحياة في روحها الهامد. وليمنح كل شرفها وسلامها للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.. للذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم.. وللذين أخلصوا دينهم لله.. للذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون.
أجل كان الرسول عليه الصلاة والسلام ممعنا في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه..
من اجل هذا, ترك هو أيضا زمام ناقته وأرسله, فلا هو يثني به عنقها ولا يستوقف خطاها.. وتوجه الى الله بقلبه, وابتهل اليه بلسانه:
" اللهم خر لي, واختر لي"..
وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة.. ثم نهضت وطوّفت بالمكان, ثم عادت الى مبركها الأول, وألقت جرانها. واستقرت في مكانها ونزل الرسول للدخول.. وتبعه رسول الله يخف به اليمن والبركة..
أتدرون من كان هذا السعيدالموعود الذي بركت الناقة أمام داره, وصار الرسول ضيفه, ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية..؟؟
انه بطل حديثنا هذا.. أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد, حفيد مالك بن النجار..
لم يكن هذا أول لقاء لأبي أيوب مع رسول الله..
فمن قبل, وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول في مكة تلك البيعة المباركة المعروفة ببيعة العقبة الثانية.. كان أبو أيوب الأنصاري بين السبعين مؤمنا الذين شدّوا أيمانهم على يمين الرسول مبايعين, مناصرين.
والآن رسول الله يشرف المدينة, ويتخذها عاصمة لدين الله, فان الحظوظ الوافية لأبي أيوب جعلت من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم, والرسول الكريم.
ولقد آثر الرسول أن ينزل في دورها الأول.. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد الى غرفته في الدور العلوي حتى أخذته الرجفة, ولم يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما, وفي مكان أعلى من المكان الذي يقوم فيه رسول الله وينام..!!
وراح يلح على النبي ويرجوه ان ينتقل الى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبي لرجائه..
ولسوف يمكث النبي بها حتى يتمّ المسجد, وبناء حجرة له بجواره..
ومنذ بدأت قريش تتنمّر للاسلام وتشن اغاراتها على دار الهجرة بالمدينة, وتؤلب القبائل, وتجيش الجيوش لتطفئ نور الله..
منذ تلك البداية, واحترف أبو أيوب صناعة الجهاد في سبيل الله.
ففي بدر, وأحد والخندق, وفي كل المشاهد والمغازي, كان البطل هناك بائعا نفسه وماله لله ربو العالمين..
وبعد وفاة الرسول, لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها, مهما يكن بعد الشقة, وفداحة المشقة..!
وكان شعاره الذي يردده دائما, في ليله ونهاره.. في جهره واسراره.. قول الله تعالى:
( انفروا خفافا وثقالا)..
مرة واحدة.. تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحدا من شباب المسلمين, ولم يقتنع أبو أيوب بامارته.
مرة واحدة لا غير.. مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه, ويقول:
" ما عليّ من استعمل عليّ"..؟؟
ثم لم يفته بعد ذلك قتال!!
كان حسبه أن يعيش جنديا في جيش الاسلام, يقاتل تحت رايته, ويذود عن حرمته..
ولما وقع الخلاف بين علي ومعاوية, وقف مع علي في غير تردد, لأنه الامام الذي أعطي بيعة المسلمين.. ولما استشهد وانتهت الخلافة لمعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة, الصامدة التقية لا يرجو من الدنيا سوى مكان فوق أرض الوغى, وبين صفوف المجاهدين..
وهكذا, لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه, وحمل سيفه, وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق..!!
وفي هذه المعركة أصيب.
وذهب قائد جيشه ليعوده, وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله..
فسأله القائد, وكان يزيد بن معاوية:
" ما حاجتك أبا أيوب"؟
ترى, هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟
كلا.. فقد كانت حاجته وهو يجود بروحه شيئا يعجز ويعيي كل تصوّر, وكل تخيّل لبني الانسان..!!
لقد طلب من يزيد, اذا هو مات أن يحمل جثمانه فوق فرسه, ويمضي به الى أبعد مسافة ممكنة في أرض العدو, وهنالك يدفنه, ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق, حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره, فيدرك آنئذ أنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز..!!
أتحسبون هذا شعرا..؟
لا.. ولا هو بخيال, بل واقع, وحق شهدته الدنيا ذات يوم, ووقفت تحدق بعينيها, وبأذنيها, لا تكاد تصدق ما تسمع وترى..!!
ولقد أنجز يزيد وصيّة أبي أيوب..
وفي قلب القسطنطينية, وهي اليوم استامبول, ثوى جثمان رجل عظيم, جدّ عظيم..!!
وحتى قبل أن يغمر الاسلام تلك البقاع, كان أهل القسطنطينية من الروم, ينظرون الى أبي أيوب في قبره نظرتهم الى قدّيس...
وانك لتعجب اذ ترى جميع المؤرخين الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون:
" وكان الروم يتعاهدون قبره, ويزورونه.. ويستسقون به اذا قحطوا"..!!
وعلى الرغم من المعارك التي انتظمت حياة أبي أيوب, والتي لم تكن تمهله ليضع سيفه ويستريح, على الرغم من ذلك, فان حياته كانت هادئة, نديّة كنسيم الفجر..
ذلك انه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا فوعاه:
" واذا صليت فصل صلاة مودّع..
ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه..
والزم اليأس مما في أيدي الناس"...
وهكذا لم يخض في لسانه فتنة..
ولم تهف نفسه الى مطمع..
وقضى حياته في أشواق عابد, وعزوف مودّع..
فلما جاء أجله, لم يكن له في طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية لتي تشبه حياته في بطولتها وعظمتها:
" اذهبوا بجثماني بعيدا.. بعيدا.. في ارض الروم ثم ادفنوني هناك"...
كان يؤمن بالنصر, وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع, وقد أخذت مكانها بين واحات الاسلام, ودخلت مجال نوره وضيائه..
ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك, في عاصمة تلك البلاد, حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة, وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب, أن يتابع جيوش الاسلام في زحفها, فيسمع خفق أعلامها, وصهيل خيلها, ووقع أقدامها, وصلصلة سيوفها..!!
وانه اليوم لثاو هناك..
لا يسمع صلصلة السيوف, ولا صهيل الخيول..
قد قضي الأمر, واستوت على الجوديّ من أمد بعيد..
لكنه يسمع كل يوم من صبحه الى مسائه, روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة في الأفق..
أن:
الله أكبر..
الله أكبر..
وتجيب روحه المغتبطة في دار خلدها, وسنا مجدها:
هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله....
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 4/5/2011, 08:05 | |
| العباس بن عبد المطلب
ساقي الحرمين
في عام الرمادة, وحيث أصاب العباد والبلاد قحط وبيل, خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه الى الفضاء الرحب يصلون صلاة الاستسقاء, ويضرعون الى الله الرحيم أن يرسل اليهم الغيث والمطر..
ووقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه, ورفعها صوب السماء وقال:
" اللهم انا كنا نسقى بنبيك وهو بيننا..
اللهم وانا اليوم نستسقي بعمّ نبيّك فاسقنا"..
ولم يغادر المسلمون مكانهم حتى جاءهم الغيث, وهطل المطر, يزفّ البشرى, ويمنح الريّ, ويخصب الأرض..
وأقبل الأصحاب على العباس يعانقونه, ويقبّلونه, ويتبركون به وهم يقولون: " هنيئا لك.. ساقي الحرمين"..
فمن كان ساقي الحرمين هذا..؟؟
ومن ذا الذي توسل به به عمر الى الله.. تقى وسبقا ومكانة عند الله ورسوله ولدى المؤمنين..؟؟
انه العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم..
كان الرسول يجلّه بقدر ما كان يحبه, وكان يمتدحه ويطري سجاياه قائلا:
" هذه بقيّة آبائي"..
**
هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها"..!!
وكما كان حمزة عمّ الرسول وتربه, كذلك كان العباس رضي الله عنه فلم يكن يفصل بينهما في سنوات العمر سوى سنتين أو ثلاث, تزيد في عمر العباس عن عمر الرسول..
وهكذا كان محمد, والعباس عمه, طفلين من سن واحدة, وشابين من جيل واحد..
فلم تكن القرابةالقريبة وحدها, آصرة ما بينهما من ودّ, بل كانت كذلك زمالة السنّ,وصداقة العمر..
وشيء آخر نضعه معايير النبي في المكان الأول دوما.. ذلك هو خلق العباس وسجاياه..
فلقد كان العباس جوّادا, مفرط الجود, حتى كأنه للمكارم عمّها أو خالها..!!
وكان وصولا للرحم والأهل, لا يضنّ عليهما بجهد ولا بجاه, ولا بمال...
وكان الى هذه وتلك, فطنا الى حدّ الدهاء, وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش, استطاع أن يدرأ عن الرسول عليه الصلاة والسلام حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء..
**
كان حمزة كما رأينا في حديثنا عنه من قبل يعالج بغي قريش, وصلف أبي جهل بسيفه الماحق..
أما العباس فكان يعالجها بفطنة ودهاء أدّيا للاسلام من النفع مثلما أدّت السيوف المدافعة عن حقه وحماه..!!
فالعباس لم يعلن اسلامه الا عام فتح مكة, مما جعل بعض المؤرخين يعدونه مع الذين تأخر اسلامه..
بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبئ بأنه كان من المسلمين المبكّرين, غير أنه كان يكتم اسلامه..
يقول أبو رافع خادم الرسول صلى الله عليه وسلم:
" كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب, وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت, فأسلم العباس, وأسلمت أم الفضل, وأسلمت... وكان العباس يكتم اسلامه"..
هذه رواية أبو رافع يتحدث بها عن حال العباس واسلامه قبل غزوة بدر..
كان العباس اذن مسلما..
وكان مقامه بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه خطة أدت غايتها على خير نسق..
ولم تكن قريش تخفي شكوكها في نوايا العباس ولكنها أيضا لم تكن تجد سبيلا لمحادّته, لا سيما وهو في ظاهر أمره على ما يرضون من منهج ودين..
حتى اذا جاءت غزوة بدر رأتها قريش فرصة تبلو بها سريرة العباس وحقيقته..
والعباس أدهى من أن يغفل عن اتجاهات ذلك المكر السيء الذي تعالج به قريش حسراتها, وتنسج به مؤامراتها..
ولئن كان قد نجح في ابلاغ النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنباء قريش وتحرّكاتها, فان قريشا ستنجح في دفعه الى معركة لا يؤمن بها ولا يريدها.. بيد أنه نجاح موقوت لن يلبث حتى ينقلب على القرشيين خسارا وبوارا..
**
ويلتقي الجمعان في غزوة بدر..
وتصطك السيوف في عنفوان رهيب, مقررة مصير كل جمع, وكل فريق..
وينادي الرسول في أصحابه قائلا:
" ان رجالا من بني هاشم, ومن غير بني هاشم, قد أخرجوا كرها, لا حاجة لهم بقتالنا.. فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله..
ومن لقي البختريّ بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله..
ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله, فانه انما أخرج مستكرها"..
لم يكن الرسول بأمره هذا يخصّ عمّه العباس بميّزة, فما تلك مناسبة المزايا, ولا هذا وقتها..
وليس محمد عليه الصلاة والسلام من يرى رؤوس أصحابه تتهاوى في معرة الحق, ثم يشفع والقتال دائر لعمه, لو كان يعلم أن عمه من المشركين..
أجل..
ان الرسول الذي نهى عن أن يستغفر لعمه أبي طالب على كثرة ما أسدى أبو طالب له وللاسلام من أياد وتضحيات..
ليس هو منطقا وبداهة من يجيء في غزوة بدر ليقول لمن يقتلون آباءهم واخوانهم من المشركين: استثنوا عمي ولا تقتلوه..!!
أما اذا كان الرسول يعلم حقيقة عمه, ويعلم أنه يطوي على الاسلام صدره, كما يعلم أكثر من غيره, الخدمات غير المنظورة التي أدّاها للاسلام.. كما يعلم أخيرا أنه خرج مكرها ومحرجا فآنئذ يصير من واجبه أن ينقذ من هذا شأنه, وأن يعصم من القتل دمه ما استطاع لهذا سبيلا..
واذا كان أبو البختري بن حارث وهذا شأنه, قد ظفر بشفاعة الرسول لدمه حتى لا يهدر, ولحياته كي لا تزهق..
أفلا يكون جديرا بهذه الشفاعة, مسلم يكتم اسلامه... ورجل له في نصرة الاسلام مواقف مشهودة, وأخرى طوي عليها ستر الخفاء..؟؟
بلى..ولقد كان العباس ذلك المسلم, وذلك النصير.
ولنعد الى الوراء قليلا لنرى..
**
في بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحاج وفد الأنصار, ثلاثة وسبعون رجلا وسيدتان, ليعطوا الله ورسوله بيعتهم, وليتفقوا مع النبي عليه الصلاة والسلام على الهجرة الى المدينة, أنهى الرسول الى عمه العباس نبأ هذا الوفد, وهذه البيعة.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يثق بعمه في رأيه كله..
ولما جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية, خرج الرسول وعمه العباس الى حيث الأنصار ينتظرون..
وأراد العباس ان يعجم عود القوم ويتوثق للنبي منهم..
ولندع واحدا من أعضاء الوفد يروي لنا النبأ, كما سمع ورأى.. ذلكم هو كعب بن مالك رضي الله عنه:
".. وجلسنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب.. وتكلم العباس فقال: يا معشر الخزرج, ان محمدا منا حيث قد علمتم, وقد منعناه من قومنا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده, وانه أبى الا الانحياز اليكم واللحوق بكم..
فان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه, ومانعوه ممن خالفه, فأنتم وما تحملتم من ذلك..
وان كنتم ترون أنكم مسلموه خاذلوه بعد خروجه اليكم, فمن الآن فدعوه"..
كان العباس يلقي بكلماته الحازمة هذه, وعيناه تحدقان كعيني الصقر في وجوه الانصار.. يتتبع وقع الكلام وردود فعله العاجلة..
ولم يكتف العباس بهذا, فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى الحقيقة في مجالها المادي, ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير..
هناك استأنف حديثه مع الأنصار بسؤال ذكي ألقاه, ذلك هو:
" صفوا لي الحرب, كيف تقاتلون عدوّكم"!!؟؟
ان العباس بفطنته وتجربته مع قريش يدرك أن الحرب لا محالة قادمة بين الاسلام والشرك, فقريش لن تتنازل عن دينها ومجدها وعنادها.
والاسلام ما دام حقا لن يتنازل للباطل عن حقوقه المشروعة..
فهل الأنصار, أهل المدينة صامدون للحرب حين تقوم..؟؟
وهل هم من الناحية الفنية, أكفاء لقريش, يجيدون فنّ الكرّ والفرّ والقتال..؟؟
من اجل هذا ألقى سؤاله السالف:
" صفوا لي الحرب, كيف تقاتلون عدوّكم"..؟؟
كان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالأطواد...
ولم يكد العباس يفرغ من حديثه, لا سيما ذلك السؤال المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون..
وبدأ عبدالله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال:
" نحن, والله, أهل الحرب.. غذينا بها,ومرّنا عليها, وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر..
نرمي بالنبل حتى تفنى..
ثم نطاعن بالرماح حتى تنكسر..
ثم نمشي بالسيوف, فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا"..!!
وأجاب العباس متهللا:
" أنتم أصحاب حرب اذن, فهل فيكم دروع"..؟؟
قالوا:
" نعم.. لدينا دروع شاملة"..
ثم دار حديث رائع وعظيم بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الأنصار.. حديث سنعرض له ان شاء الله فيما بعد.
**
هذا موقف العباس في بيعة العقبة..
وسواء عليه أكان يومئذ اعتنق الاسلام سرا, أم كان لا يزال يفكّر, فان موقفه العظيم هذا يحدد مكانه بين قوى الظلام الغارب, والشروق المقبل,
ويصوّر أبعاد رجولته ورسوخه..!!
ويوم يجيء حنين ليؤكد فداءية هذا الهادئ السمت, اللين الجانب, حينما تدعو الحاجة اليها, ويهيب المواقف بها, بينما هي في غير ذلك الظرف الملحّ, مستكنّة تحت الأضلاع, متوارية عن الأضواء..!!
**
في السنة الثامنة للهجرة, وبعد ان فتح الله مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية أن يحقق الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة..
فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون. وقرروا شنّ حرب حاسمة ضدّ الرسول والمسلمين..
ان كلمة قبائل لا ينبغي أن تخدعنا عن طبيعة تلك الحروب التي كان يخوضها الرسول طوال حياته. فنظن انها كانت مجرّد مناوشات جبلية صغيرة, فليس هناك حروب أشدّ ضراوة من حروب تلك القبائل في معاقلها..!!
وادراك هذه الحقيقة لا يعطينا تقديرا سديدا للجهد الخارق الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحسب, بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه الاسلام والمؤمنون, ورؤية واضحة لتوفيق الله الماثل في هذا النجاح وذلك الانتصار..
احتشدت تلك القبائل في صفوف لجبة من المقاتلين الأشدّاء..
وخرج اليهم المسلمون في اثني عشر ألفا..
اثنا عشر ألفا..؟؟
وممن..؟؟
من الذين فتحوا مكة بالأمس القريب, وشيعوا الشرك والأصنام الى هاويتها الأخيرة والسحيقة, وارتفعت راياتهم تملأ الأفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لها..!!
هذا شيء يبعث الزهو..
والمسلمون في آخر المطاف بشر, ومن ثم, فقد ضعفوا امام الزهو الذي ابتعثته كثرتهم ونظامهم, وانتصارهم بمكة, وقالوا:
" لن نغلب اليوم عن قلة".
ولما كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الحرب وأسمى, فان ركونهم الى قوتهم العسكرية, وزهزهم بانتصارهم الحربي, عمل غير صالح ينبغي أن يبرؤا منه سريعا, ولو بصدمة شافية..
وكانت الصدمة الشافية هزيمة كبرى مباغتة في أول القتال, حتى اذا ضرعوا الى الله, وبرؤا من حولهم الى حوله, ومن قوتهم الى قوته, انقلبت الهزيمة نصرا, ونزل القرآن الكريم يقول للمسلمين:
(.. ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا, وضاقت الأرض بما رحبت, ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين, وأنزل جنودا لم تروها, وعذب الذين كفروا, وذلك جزاء الكافرين)..
كان صوت العباس يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال..
فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة ينتظرون مجيء عدوّهم, كان المشركون قد سبقوهم الى الوادي وكمنوا لهم في شعابه وأحنائه, شاحذين أسلحتهم, ممسكين زمام المبادرة بأيديهم..
وعلى حين غفلة, انقضّوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة, جعلتهم يهرعون بعيدا, لا يلوي أحد على أحد..
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه الهجوم المفاجئ الخاطف على المسلمين, فعلا صهوة بغلته البيضاء, وصاح:
" الى أين أيها الناس..؟؟
هلموا اليّ..
أنا النبي لا كذب..
انا ابن عبد المطلب"..
لم يكن حول النبي ساعتئذ سوى أبي بكر, وعمر, وعلي بن أبي طالب, والعباس بن عبد المطلب, وولده الفضل بن العباس, وجعفر بن الحارث, وربيعة بن الحارث, وأسامة بن زيد, وأيمن بن عبيد, وقلة أخرى من الأصحاب..
وكان هناك سيدة أخذت مكانا عاليا بين الرجال والأبطال..
تلك هي أم سليم بنت ملحان..
رأت ذهول المسلمين وارتباكهم, فركبت جمل زوجها أبي طلحة رضي الله عنهما, وهرولت بها نحو الرسول..
ولما تحرك جنينها في بطنها, وكانت حاملا, خلعت بردتها وشدّت بها على بطنها في حزام وثيق, ولما انتهت الى النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة خنجرا في يمينها ابتسم لها الرسول وقال:
" أم سليم؟؟"..
قالت: " نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله..
اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك, كما تقتل الذين يقاتلونك, فانهم لذلك أهل"..
وازدادت البسمة تألقا على وجه الرسول الواثق بوعد ربه وقال لها:
" ان الله قد كفى وأحسن يا أم سليم"..!!
هناك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف, كان العباس الى جواره, بل كان بين قدميه بخطام بغلته يتحدى الموت والخطر..
وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس, وكان العباس جسيما جهوري الصوت, فراح ينادي:
" يا معشر الأنصار..
يا أصحاب البيعة"...
وكانما كان صوته داعي القدر ونذيره..
فما كاد يقرع أسماع المرتاعين من هول المفاجأة, المشتتين في جنبات الوادي, حتى أجابوا في صوت واحد:
" لبّيك.. لبّيك"..
وانقلبوا راجعين كالاعصار, حتى ان أحدهم ليحرن بعيره أو فرسه, فيقتحم عنها ويترجل, حاملا درعه وسيفه وقوسه, ميممّا صوب صوت العباس..
ودارت المعركة من جديد.. ضارية, عاتية..
وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الآن حمي الوطيس"..
وحمي الوطيس حقا..
وتدحرج قتلى هوزان وثقيف, وغلبت خيل الله خيل اللات, وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين..!!!
**
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العباس عمه حبا كبيرا, حتى انه لم ينم يوم انتهت غزوة بدر, وقضى عمه ليله في الأسر..
ولم يخف النبي عليه السلام عاطفته هذه, فحين سئل عن سبب أرقه, وقد نصره الله نصرا مؤزرا أجاب:
" سمعت أنين العباس في وثاقه"..
وسمع بعض المسلمين كلمات الرسول, فأسرع الى مكان الأسرى, وحلّ وثاق العباس, وعاد فأخبر الرسول قائلا:
" يا رسول الله..
اني أرخيت من وثاق العباس شيئا"..
ولكن لماذا وثاق العباس وحده..؟
هنالك قال الرسول لصاحبه:
" اذهب, فافعل ذلك بالأسرى جميعا".
أجل فحب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه لا يعني أن يميزه عن الناس الذين تجمعهم معه ظروف مماثلة..
وعندما تقرر أخذ الفدية من الأسرى, قال الرسول لعمه:
" يا عباس..
افد نفسك, وابن اخيك عقيل بن أبي طالب, ونوفل بن الحارث, وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بني الحارث بن فهر, فانك ذومال"..
وأراد العباس أن يغادر أسره بلا فدية, قائلا:
" يا رسول الله, اني كنت مسلما, ولكن القوم استكرهوني"..
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أصرّ على الفدية, ونزل لقرآن الكريم في هذه المناسبة يقول:
" يا ايها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم, والله غفور رحيم".
وهكذا فدى العباس نفسه ومن معه, وقفل راجعا الى مكة.. ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه, فبعد حين جمع ماله وحمل متاعه, وأدرك الرسول بخيبر, ليأخذ مكانه في موكب الاسلام, وقافلة المؤمنين.. وصار موضع حب المسلمين واجلالهم العظيم, لا سيما وهم يرون تكريم الرسول له وحبه اياه وقوله عنه:
" انما العباس صنو أبي..
فمن آذى العباس فقد آذاني".
وأنجب العباس ذريّة مباركة.
وكان حبر الأمة عبدالله بن عباس واحدا من هؤلاء الأبناء المباركين.
**
وفي يوم الجمعة لأربع عشرة سنة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين سمع اهل العوالي بالمدينة مناديا ينادي:
" رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب".
فأدركوا أن العباس قد مات..
وخرج الناس لتشييعه في أعداد هائلة لم تعهد المدينة مثلها..
وصلى عليه خليفة المسلمين يومئذ عثمان رضي الله عنه.
وتحت ثرى البقيع هدأ جثمان أبي الفضل واستراح..
ونام قرير العين, بين الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه!! | |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 8/5/2011, 12:06 | |
| أبو هريرة
ذاكرة عصر الوحي
صحيح أن ذكاء المرء محسوب عليه..
وأصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن في نفس الوقت الذي كان ينبغي أن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!
والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء..
فقد كان ذا موهبة خارقة في سعة الذاكرة وقوتها..
كان رضي الله عنه يجيد فنّ الاصغاء, وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان..
يسمع فيعي, فيحفظ, ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر, وتعاقبت الأيام..!!
من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظا لأحاديثه, وبالتالي أكثرهم رواية لها.
فلما جاء عصر الوضّاعين الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, اتخذوا أبا هريرة غرضا مستغلين أسوأ استغلال سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله عليه السلام موضع الارتياب والتساؤل. لولا تلك الجهود البارة والخارقة التي بذلها أبرار كبار نذور حياتهم وكرّسوها لخدمة الحديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.
هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من أخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون أن يتسللوا بها الى الاسلام عن طريقه, وأن يحمّلوه وزرها وأذاها..!!
**
والآن.. عندما نسمع واعظا, أو محاضرا, أو خطيب جمعة يقول تلك العبارة المأثورة:" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..".
أقول: عندما تسمع هذا الاسم على هذه الصورة, أو عندما تلقاه كثيرا, وكثيرا جدّا في كتب الحديث, والسيرة والفقه والدين بصفة عامة, فاعلم أنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة اغراء بالصحبة والاصغاء..
ذلك أن ثروته من الأحاديث الرائعة, والتوجيهات الحكيمة التي حفظها عن النبي عليه السلام, قلّ أن يوجد لها نظير..
وانه رضي الله عنه بما يملك من هذه الموهبة, وهذه الثروة, لمن أكثر الأصحاب مقدرة على نقلك الى تلك الأيام التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, والى التحليق بك, اذا كنت وثيق الايمان مرهف النفس, في تاك الآفاق التي شهدت روائع محمد وأصحابه, تعطي الحياة معناها, وتهدي اليها رشدها ونهاها.
واذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لأن تتعرّف لأبي هريرة وتسمع من أنبائه نبأ, فدونك الآن وما تريد..
انه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة الاسلام بكل ما أحدثته من تغيرات هائلة.
فمن أجير الى سيّد..
ومن تائه في الزحام, الى علم وامام..!!
ومن ساجد أمام حجارة مركومة, الى مؤمن بالله الواحد القهار..
وهاهو ذا يتحدّث ويقول:
" نشأت يتيما, وهاجرت مسكينا.. وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني..!!
كنت أخدمهم اذا نزلوا, وأحدو لهم اذا ركبوا..
وهأنذا وقد زوّجنيها الله, فالحمد لله الذي جعل الدين قواما, وجعل أبا هريرة اماما"..!
قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر, فأسلم راغبا مشتاقا..
ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط الا في ساعات النوم..
وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم الى أن ذهب النبي الى الرفيق الأعلى.
نقول: كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدها.. كانت طويلة عريضة, ممتلئة بكل صالح من القول, والعمل, والاصغاء.
**
أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الله.
ان أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..
والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.
ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.
ففي تلك العصور, وكانت الجماعة الانسانية كلها, لا العرب وحدهم, لا يهتمون بالكتابة, ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في مجتمع ما..
بل انّ أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غير بعيد.
وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلمان أميّين لا يقرءون ولا يكتبون, مع أنهم في نفس الوقت كانوا على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..
**
نعود الى حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الاسلام الى من يحفظ تراثه وتعاليمه, كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون, ثم ان بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.
لم يكن أبا هريرة كاتبا, ولكنه كان حافظا, وكان يملك هذا الفراغ, أو هذا الفراغ المنشود, فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها!!
وهو اذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا, عزم على أن يعوّض ما فاته, وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته..
ثم انه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه, وهي ذاكرته الرحبة القوية, والتي زادت مضاء ورحابة وقوة, بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبها أن يبارك الله له فيها..
فلماذا اذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله لللأجيال..؟؟
أجل.. هذا دوره الذي تهيئه للقيام به مواهبه, وعليه أن يقوم به في غير توان..
**
ولم يكن أبو هريرة ممن يكتبون, ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..
ولم تكن له أرض يزرعها, ولا تجارة تشغله, ومن ثمّ لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..
وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته..
فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى, راح أبو هريرة يحدث, مما جعل بعض أصحابه يعجبون: أنّى له كل هذه الاحاديث, ومتى سمعها ووعاها..
ولقد ألقى أبوهريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة, وكانه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال:
" انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم..
وتقولون: ان المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..؟؟
ألا ان أصحابي من المهاجرين, كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق, وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..
واني كنت أميرا مسكينا, أكثر مجالسة رسول الله, فأحضر اذا غابوا, وأحفظ اذا نسوا..
وان النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني..! فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته اليّ فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه..
وأيم والله, لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا, وهي:
( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب, أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)..".
هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره..
وهو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية, باركها الرسول فزادت قوة..
وهو ثالثا لا يحدّث رغبة في أن يحدّث, بل لأن افشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته, والا كان كاتما للخير والحق, وكان مفرطا ينتظره جزاء المفرّطين..
من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث, لا يصدّه عن الحديث صادّ, ولا يعتاقه عائق.. حتى قال له عمر يوما وهو أمير المؤمنين:
" لتتركنّ الحديث عن رسول الله,أو لألحقنك بأرض دوس"..
أي أرض قومه وأهله..
على أن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاما لأبي هريرة, بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها, تلك هي: أن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا, وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول..
فالقرآن كتاب الله, ودستور الاسلام, وقاموس الدين, وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام, والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها ولا جدوى منها..
من أجل هذا كان عمر يقول:
" اشتغلوا بالقرآن, فان القرآن كلام الله"..
ويقول:
" أقلوا الرواية عن رسول الله الا فيما يعمل به"..
وحين أرسل أبو موسى الأشعري الى العراق قال له:
" انك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ القرآن كدويّ النحل, فدعهم على ما هم عليه, ولا تشغلهم بالحديث, وأنا شريكك في ذلك"..
كان القرآن قد جمع بطريقة مضمونة دون أن يتسرب اليه ما ليس منه..
اما الأحاديث فليس يضمن عمر أن تحرّف أو تزوّر, أو تتخذ سبيل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, والنيل من الاسلام..
وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر, ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن أمانته, وكان لا يريد أن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد أن كتمانه اثم وبوار.
وهكذا.. لم يكن يجد فرصة لافراغ ما في صدره من حديث سمعه ووعاه الا حدّث وقال..
**
على أن هناك سببا هامّا, كان له دور في اثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه.
ذلك أنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف, ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيرا لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم.
**
أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلو مقدرة أبي هريرة على الحفظ, فدعاه اليه وأجلسه معه, وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في حين أجلس كاتبه وراء حجاب, وأمره أن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..
وبعد مرور عام, دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى, أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها, فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!
وكان يقول عن نفسه:
" ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني, الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص, فانه كان يكتب, ولا أكتب"..
وقال عنه الامام الشافعي أيضا:
" أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره".
وقال البخاري رضي الله عنه:
" روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود..
وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين, يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه, وتقوم زوجته ثلثه, وتقوم ابنته ثلثه. وهكذا لا تمر من الليل ساعة الا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!!
وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد..
وانه ليحدثنا: كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجرا ويعتصر كبده بيديه, ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه أن به صرعا وما هو بمصروع..!
ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن..
كانت هذه المشكلة أمه: فانها يومئذ رفضت أن تسلم..
ليس ذلك وحسب, بل كانت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء..
وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره, فانفضّ عنها باكيا محزونا, وذهب الى مسجد الرسول..
ولنصغ اليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:
".. فجئت الى رسول الله وأنا أبكي, فقلت: يا رسول الله, كنت أدعو أم أبي هريرة الى الاسلام فتأبى علي, واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله أن يهدي أم أبا هريرةالى الاسلام..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة..
فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله, فلما أتيت الباب اذا هو مجاف, أي مغلق, وسمعت خضخضة ماء, ونادتني يا أبا هريرة مكانك..
ثم لبست درعها, وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول: أشهد أن لا اله الا الله, وأِشهد أن محمدا عبده ورسوله..
فجئت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح, كما بكيت من الحزن, وقلت: أبشر يا رسول الله, فقد أجاب الله دعوتك..
قد هدى أم أبي هريرة الى الاسلام..
ثم قلت يا رسول الله: ادع الله أن يحبّبني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات..
فقال: اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة"..
**
وعاش أبو هريرة عابدا, ومجاهدا.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه امارة البحرين.
وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته.
اذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين, فيجب أن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه.. ويكون من الأفضل أن يتركها وله ثوب واحد..!!!
أما اذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء, فآنئذ لا يفلت من حساب عمر, مهما يكن مصدر ثرائه حلالا مشروعا!
دنيا أخرى.. ملأها عمر روعة واعجازا..!!
وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا, من مصادره الحلال, وعلم عمر فدعاه الى المدينة..
ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:
" قال لي عمر:
يا عدو الله وعدو كتابه, أسرقت مال الله..؟؟
قلت:
ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه,.. لكني عدو من عاداهما..
ولا أنا من يسرق مال الله..!
قال:
فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟
قلت:
خيل لي تناسلت, وعطايا تلاحقت..
قال عمر: فادفعها الى بيت مال المسلمين"..!!
ودفع أبو هريرة المال الى عمر ثم رفع يديه الى السماء وقال:
اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..
وبعد حين دعا عمر أبا هريرة, وعرض عليه الولاية من جديد, فأباها واعتذر عنها..
قال له عمر: ولماذا؟
قال أبو هريرة:
حتى لا يشتم عرضي, ويؤخذ مالي, ويضرب ظهري..
ثم قال:
وأخاف أن أقضي بغير علم
وأقول بغير حلم..
**
وذات يوم اشتد شوقه الى لقاء الله..
وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه, كان هو يلحّ على الله قائلا:
" اللهم اني أحب لقاءك, فأحب لقائي"..
وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.
وبين ساكني البقيع الأبرار تبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا..
وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته, كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم.
ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله:
لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟
فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر:
لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس, ولما أسلم سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفا على الحيوان, وكانت له هرة, يطعمها, ويحملها, وينظفها, ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله..
وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه..
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 09:57 | |
| البراء بن مالك
الله, والجنة
هو ثاني أخوين عاشا في الله, وأعطيا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا نما وأزهر مع الأيام..
أما أولهما فهو أنس بن مالك خادم رسول الله عليه السلام.
أخذته أمه أم سليم الى الرسول وعمره يوم ذاك عشر سنين وقالت:
"يا رسول الله..
هذا أنس غلامك يخدمك, فادع الله له"..
فقبّله رسول الله بين عينيه ودعا له دعوة ظلت تحدو عمره الطويل نحو الخير والبركة..
دعا له لرسول فقال:
" اللهم أكثر ماله, وولده, وبارك له, وأدخله الجنة"..
فعاش تسعا وتسعين سنة, ورزق من البنين والحفدة كثيرين, كما أعطاه الله فيما أعطاه من رزق, بستانا رحبا ممرعا, كان يحمل الفاكهة في العام مرتين..!!
وثاني الأخوين, هو البراء بن مالك..
عاش حياته العظيمة المقدامة, وشعاره:
" الله, والجنة"..
ومن كان يراه, وهو يقاتل في سبيل الله, كان يرى عجبا يفوق العجب..
فلم يكن البراء حين يجاهد المشركين بسيفه ممن يبحثون عن النصر, وان يكن النصر آنئذ أجلّ غاية.. انما كان يبحث عن الشهادة..
كانت كل أمانيه, أن يموت شهيدا, ويقضي نحبه فوق أرض معركة مجيدة من معارك الاسلام والحق..
من أجل هذا, لم يتخلف عن مشهد ولا غزوة..
وذات يوم ذهب اخوانه يعودونه, فقرأ وجوههم ثم قال:
" لعلكم ترهبون أن أموت على فراشي..
لا والله, لن يحرمني ربي الشهادة"..!!
ولقد صدّق الله ظنه فيه, فلم يمت البراء على فراشه, بل مات شهيدا في معركة من أروع معارك الاسلام..!!
ولقد كانت بطولة البراء يوم اليمامة خليقة به.. خليقة بالبطل الذي كان عمر بن الخطاب يوصي ألا يكون قائدا أبدا, لأن جسارته واقدامه, وبحثه عن الموت.. كل هذا يجعل قيادته لغيره من المقاتلين مخاطرة تشبه الهلاك..!!
وقف البراء يوم اليمامة وجيوش الاسلام تحت امرة خالد تتهيأ للنزال, وقف يتلمظ مستبطئا تلك اللحظات التي تمرّ كأنها السنين, قبل أن يصدر القائد أمره بالزحف..
وعيناه الثاقبتان تتحركان في سرعة ونفاذ فوق أرض المعركة كلها, كأنهما تبحثان عن أصلح مكان لمصرع البطل..!!
أجل فما كان يشغله في دنياه كلها غير هذه الغاية..
حصاد كثير يتساقط من المشركين دعاة الظلام والباطل بحدّ سيفه الماحق..
ثم ضربة تواتيه في نهاية المعركة من يد مشركة, يميل على أثرها جسده الى الارض, على حين تأخذ روحه طريقها الى الملأ الأعلى في عرس الشهداء, وأعياد المباركين..!!
ونادى خالد: الله أكبر, فانطلقت الصفوف المرصوصة الى مقاديرها, وانطلق معها عاشق الموت البراء بن مالك..
وراح يجندل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه.. وهم يتساقطون كأوراق الخريف تحت وميض بأسه..
لم يكن جيش مسيلمة هزيلا, ولا قليلا.. بل كان أخطر جيوش الردة جميعا..
وكان بأعداده, وعتاده, واستماتة مقاتليه, خطرا يفوق كل خطر..
ولقد أجابوا على هجوم المسلمين شيء من الجزع.
وانطلق الزعماء والخطباء يلقون من فوق صهوات جيادهم كلمات التثبيت. ويذكرون بوعد الله..
وكان البراء بن مالك جميل الصوت عاليه..
وناداه القائد خالد تكلم يا براء..
فصاح البراء بكلمات تناهت في الجزالة, والدّلالة, القوة..
تلك هي:
" يا أهل المدينة..
لا مدينة لكم اليوم..
انما هو الله والجنة"..
كلمات تدل على روح قائلها وتنبئ بخصاله.
أجل..
انما هو الله, والجنة..!!
وفي هذا الموطن, لا ينبغي أن تدور الخواطر حول شيء آخر..
حتى المدينة, عاصمة الاسلام, والبلد الذي خلفوا فيه ديارهم ونساءهم وأولادهم, لا ينبغي أن يفكروا فيها, لأنهم اذا هزموا اليوم, فلن تكون هنلك مدينة..
وسرت كلمات البراء مثل.. مثل ماذا..؟
ان أي تشبيه سيكون ظلما لحقيقة أثرها وتأثيرها..
فلنقل: سرت كلمات البراء وكفى..
ومضى وقت وجيز عادت بعده المعركة الى نهجها الأول..
المسلمون يتقدمون, يسبقهم نصر مؤزر.
والمشركون يتساقطون في حضيض هزيمة منكرة..
والبراء هناك مع اخوانه يسيرون براية محمد صلى الله عليه وسلم الى موعدها العظيم..
واندفع المشركون الى وراء هاربين, واحتموا بحديقة كبيرة دخلوها ولاذوا بها..
وبردت المعركة في دماء المسلمين, وبدا أن في الامان تغير مصيرها بهذه الحيلة التي لجأ اليها أتباع مسيلمة وجيشه..
وهنا علا البراء ربوة عالية وصاح:
" يا معشر المسلمين..
احملوني وألقوني عليهم في الحديقة"..
ألم أقل لكم انه لا يبحث عن النصر بل عن الشهادة..!!
ولقد تصوّر في هذه الخطة خير ختام لحياته, وخير صورة لمماته..!!
فهو حين يقذف به الى الحديقة, يفتح للمسلمين بابها, وفي نفس الوقت كذلك تكون أبواب الجنة تأخذ زينتها وتتفتح لاستقبال عرس جديد ومجيد..!!
ولم ينتظر البراء أن يحمله قومه ويقذفوا به, فاعتلى هو الجدار, وألقى بنفسه داخل الحديقة وفتح الباب, واقتحمته جيوش الاسلام..
ولكن حلم البراء لم يتحقق, فلا سيوف المشركين اغتالته, ولا هو لقي المصرع الذي كان يمني به نفسه..
وصدق أبو بكر رضي الله عنه:
" احرص على الموت..
توهب لك الحياة"..!!
صحيح أن جسد البطل تلقى يومئذ من سيوف المشركين بضعا وثمانين ضربة, أثخنته ببضع وثمانين جراحة, حتى لقد ظل بعد المعركة شهرا كاملا, يشرف خالد بن الوليد نفسه على تمريضه..
ولكن كل هذا الذي أصابه كان دون غايته وما يتمنى..
بيد أن ذلك لا يحمل البراء على اليأس.. فغدا تجيء معركة, ومعركة, ومعركة..
ولقد تنبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه مستجاب الدعوة..
فليس عليه الا أن يدعو ربه دائما أن يرزقه الشهادة, ثم عليه ألا يعجل, فلكل أجل كتاب..!!
ويبرأ البراء من جراحات يوم اليمامة..
وينطلق مع جيوش الاسلام التي ذهبت تشيّع قوى الظلام الى مصارعها.. هناك حيث تقوم امبراطوريتان خرعتان فانيتان, الروم والفرس, تحتلان بجيوشهما الباغية بلاد الله, وتستعبدان عباده..
ويضرب البراء بسيفه, ومكان كل ضربة يقوم جدار شاهق في بناء العالم الجديد الذي ينمو تحت راية الاسلام نموّا سريعا كالنهار المشرق..
وفي احدى حروب العراق لجأ الفرس في قتالهم الى كل وحشية دنيئة يستطيعونها..
فاستعملوا كلاليب مثبتة في أطراف سلاسل محمأة بالنار, يلقونها من حصونهم, فتخطف من تناله من المسلمين الذين لا يستطيعون منها فكاكا..
وكان البراء وأخوه العظيم أنس بن مالك قد وكل اليهما مع جماعة من المسلمين أمر واحد من تلك الحصون..
ولكن أحد هذه الكلاليب سقط فجأة, فتعلق بأنس ولم يستطع أنس أن يخلص نفسه, اذ كانت تتوهج لهبا ونارا..
وأبصرالبراء المشهد اسرع نحو أخيه الذي كانت السلسلة المحمأة تصعد به على سطح جدار الحصن.. وقبض على السلسلة بيديه وراح يعالجها في بأس شديد حتى قصمها وقطعها.. ونجا أنس وألقى البراء ومن معه نظرة على كفيه فلم يجدوهما مكانهما..!!
لقد ذهب كل ما فيهما من لحم, وبقي هيكلهما العظمي مسمّرا محترقا..!!
وقضى البطل فترة أخرى في علاج بطيء حتى بريء..
أما آن لعاشق الموت أن يبلغ غايته..؟؟
بلى آن..!!
وهاهي ذي موقعة تستر تجيء ليلاقي المسلمون فيها جيوش فارس
ولتكون للبراء عيدا أي عيد..
احتشد أهل الأهواز, والفرس في جيش كثيف ليناجزوا المسلمين..
وكتب امير المؤمنين عمر بن الخطاب الى سعد بن أبي وقاص بالكوفة ليرسل الى الأهواز جيشا..
وكتب الى أبي موسى الأشعري بالبصرة ليرسل الى الأهواز جيشا, قائلا له في رسالته:
" اجعل امير الجند سهيل بن عديّ..
وليكن معه البراء بن مالك"..
والتقى القادمون من الكوفة بالقادمين من البصرة ليواجهوا جيش الأهواز وجيش الفرس في معركة ضارية..
كان الاخوان العظيمان بين الجنود المؤمنين.. أنس بن مالك, والبراء بن مالك..
وبدأت الحرب بالمبارزة, فصرع البراء وحده مائة مبارز من الفرس..
ثم التحمت الجيوش, وراح القتلى يتساقطون من الفريقين كليهما في كثرة كاثرة..
واقترب بعض الصحابة من البراء, والقتال دائر, ونادوه قائلين:
" أتذكر يا براء قول الرسول عنك: ربّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له, لو أقسم على الله لأبرّه, منهم البراء بن مالك..؟
يا براء أقسم على ربك, ليهزمهم وينصرنا"..
ورفع البراء ذراعيه الى السماء ضارعا داعيا:
" اللهم امنحنا أكنافهم..
اللهم اهزمهم..
وانصرنا عليهم..
وألحقني اليوم بنبيّك"..
ألقى على جبين أخيه أنس الذي كان يقاتل قريبا منه.. نظرة طويلة, كأنه يودّعه..
وانقذف المسلمون في استبسال لم تألفه الدنيا من سواهم..
ونصروا نصرا مبينا.
ووسط شهداء المعركة, كان هناك البراء تعلو وجهه ابتسامة هانئة كضوء الفجر.. وتقبض يمناه على حثيّة من تراب مضمّخة بدمه الطهور..
لقد بلغ المسافر داره..
وأنهى مع اخوانه الشهداء رحلة عمر جليل وعظيم, ونودوا:
( أن تلكم الجنة, أورثتموها بما كنتم تعملون)....
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 10:21 | |
| عتبة بن غزوان
غدا ترون الأمراء من بعدي
من بين المسلمين السابقين, والمهاجرين الأولين الى الحبشة, فالمدينة..
ومن بين الرماة الأفذاذ الذين أبلوا في سبيل الله بلاء حسنا, هذا الرجل الفارع الطول, المشرق الوجه, المخبت القلب عتبة بن غزوان...
كان سابع سبعة سبقوا الى الاسلام, ومدوا أيمانهم الى يمين الرسول صلى الله عليه وسلم, مبايعين ومتحدّين قريشا بكل ما معها من بأس وقدرة على الانتقام..
وفي الأيام الأولى للدعوة.وأيام العسرة والهول, صمد عتبة بن غزوان, مع اخوانه ذلك الصمود الجليل الذي صار فيما بعد زادا للضمير الانساني يتغذى به وينمو على مر الأزمان..
ولما أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام أصحابه بالهجرة الى الحبشة, خرج عتبة مع المهاجرين..
بيد أن شوقه الى النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعه يستقر هناك, فسرعان ما طوى البرّ والبحر عائدا الى مكة, حيث لبث فيها بجوار الرسول حتى جاء ميقات الهجرة الى المدينة, فهاجر عتبة مع المسلمين..
ومنذ بدأت قريش تحرشاتها فحروبها, وعتبة حامل رماحه ونباله, يرمي بها في أستاذية خارقة, ويسهم مع اخوانه المؤمنين في هدم العالم القديم بكل أوثانه وبهتانه..
ولم يضع سلاحه يوم رحل عنهم الرسول الكريم الى الرفيق الأعلى, بل ظل يضرب في الأرض, وكان له مع جيوش الفرس جهاد عظيم..
**
أرسله أمير المؤمنين عمر الى الأبلّة ليفتحها, وليطهر أرضها من الفرس الذين كانوا يتخذونها نقطة وثوب خطرة على قوات الاسلام الزاحفة عبر بلاد الامبراطورية الفارسية, تستخلص منها بلاد الله وعباده..
وقال له عمر وهو يودّعه وجيشه:
" انطلق أنت ومن معك, حتى تأتوا أقصى بلاد العرب, وأدنى بلاد العجم..
وسر على بركة الله ويمنه..
وادع الى الله من أجابك.
ومن أبى, فالجزية..
والا فالسيف في غير هوادة..
كابد العدو, واتق الله ربك"..
**
ومضى عتبة على رأس جيشه الذي لم يكن كبيرا, حتى قدم الأبلّة..
وكان الفرس يحشدون بها جيشا من أقوى جيوشهم..
ونظم عتبة قواته, ووقف في مقدمتها, حاملا رمحه بيده التي لم يعرف الناس لها زلة منذ عرفت الرمي..!!
وصاح في جنده:
" الله أكبر, صدق وعده"..
وكأنه كان يقرأ غيبا قريبا, فما هي الا جولات ميمونة استسلمت بعدها الأبلّة وطهرت أرضها من جنود الفرس, وتحرر أهلها من طغيان طالما أصلاهم سعيرا.. وصدق الله العظيم وعده..!!
**
اختطّ عتبة مكان الأبلّة مدينة البصرة, وعمّرها وبنى مسجدها العظيم..
وأراد أن يغادر البلاد عائدا الى المدينة, هاربا من الامارة, لكن أمير المؤمنين أمره بالبقاء..
ولبث عتبة مكانه يصلي بالناس, ويفقههم في دينهم, ويحكم بينهم بالعدل, ويضرب لهم أروع المثل في الزهد والورع والبساطة...
ووقف يحارب الترف والسرف بكل قواه حتى ضجره الذين كانوا تستهويهم المناعم والشهوات..
هنالك وقف عتبة فيهم خطيبا فقال:
" والله, لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ومالنا طعام الا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا..
ولقد رزقت يوما بردة, فشققتها نصفين, أعطيت نصفها سعد بن مالك, ولبست نصفها الآخر"..
**
كان عتبة يخاف الدنيا على دينه أشد الخوف, وكان يخافها على المسلمين, فراح يحملهم على القناعة والشظف.
وحاول الكثيرون أن يحوّلوه عن نهجه, ويثيروا في نفسه الشعور بالامارة, وبما للامارة من حق, لا سيما في تلك البلاد التي لم تتعود من قبل أمراء من هذا الطراز المتقشف الزاهد, والتي تعود أهلها احترام المظاهر المتعالية المزهوّة.. فكان عتبة يجيبهم قائلا:
" اني أعوذ بالله أن أكون في دنياكم عظيما, وعند الله صغيرا"..!
ولما رأى الضيق على وجوه الناس بسبب صرامته في حملهم على الجادّة والقناعة قال لهم:
" غدا ترون الأمراء من بعدي"..
وجاء موسم الحج, فاستخلف على البصرة أحد اخوانه وخرج حاجا. ولما قضى حجه, سافر الى المدينة, وهناك سأل أمير المؤمنين أن يعفيه الامارة..
لكن عمر لم يكن يفرّط في هذا الطراز الجليل من الزاهدين الهاربين مما يسيل له لعاب البشر جميعا.
وكان يقول لهم:
" تضعون أماناتكم فوق عنقي..
ثم تتركوني وحدي..؟
لا والله لا أعفكيم أبدا"..!!
وهكذا قال لعتبة بن غزوان..
ولما لم يكن في وسع عتبة الا الطاعة, فقد استقبل راحلته ليركبها راجعا الى البصرة.
لكنه قبل أن يعلو ظهرها, استقبل القبلة, ورفع كفّيه الضارعتين الى السماء ودعا ربه عز وجل ألا يردّه الى البصرة, ولا الى الامارة أبدا..
واستجيب دعاؤه..
فبينما هو في طريقه الى ولايته أدركه الموت..
وفاضت روحه الى بارئها, مغتبطة بما بذلت وأعطت..
وبما زهدت وعفت..
وبما أتم الله عليها من نعمة..
وبما هيأ لها من ثواب...
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 10:25 | |
| ثابت بن قيس
خطيب رسول الله
كان حسّان بن ثابت شاعر رسول الله والاسلام..
وكان ثابت خطيب رسول الله والاسلام..
وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية, صادعة, جامعة رائعة..
وفي عام الوفود, وفد على المدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
" جئنا نفاخرك, فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..
فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم:
" قد أذنت لخطيبكم, فليقل"..
وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بمفاخر قومه..
ولما آذن بانتهاء, قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فأجبه..
ونهض ثابت فقال:
" الحمد لله, الذي في السموات والأرض خلقه, قضى فيهنّ أمره, ووسع كرسيّه علمه, ولم يك شيء قط الا من فضله..
ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة. واصطفى من خير خلقه رسولا.. أكرمهم نسبا. وأصدقهم حديثا. وأفضلهم حسبا, فأنزل عليه كتابه, وائتمنه على خلقه, فكان خيرة الله من العالمين..
ثم دعا الناس الى الايمان به, فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه.. أكرم الناس أحسابا, وخيرهم فعالا..
ثم كنا نحن الأنصار أول الخلق اجابة..
فنحن أنصار الله, ووزراء رسوله"..
**
شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد, والمشاهد بعدها.
وكانت فدائيته من طراز عجيب.. جد عجيب..!!
في حروب الردّة, كان في الطليعة دائما, يحمل راية الأنصار, ويضرب بسيف لا يكبو, ولا ينبو..
وفي موقعة اليمامة, التي سبق الحديث عنها أكثر من مرة, رأى ثابت وقع الهجوم الخاطف لذي شنّه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة, فصاح بصوته النذير الجهير:
" والله, ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
ثم ذهب غير بعيد, وعاد وقد تحنّط, ولبس أكفانه, وصاح مرة أخرى:
" اني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء..
يعني جيش مسيلمة..
وأعتذر اليك مما صاع هؤلاء..
يعني تراخي المسلمين في القتال"..
وانضم اليه سالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يحمل راية المهاجرين..
وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين, وأهالا الرمال عليهما حتى غطت وسط كل منهما..
وهكذا وقفا..طودين شامخين, نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق الحفرة.. في حين نصفهما الأعلى, صدرهما وجبهتهما وذراعهما يستقبلان جيوش الوثنية والكذب..
وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما, ومالت شمس كل منهما للغروب..!!
وكان مشهدهما رضي الله عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت في ردّ المسلمين الى مواقعهم, حيث جعلوا من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه الأقدام..!!
**
وثابت بن قيس.. هذا الذي تفوّق خطيبا, وتفوّق محاربا كان يحمل نفسا أوابة, وقلبا خاشعا مخبتا, وكان من أكثر المسلمين وجلا من الله, وحياء منه..
**
لما نزلت الآية الكريمة:
( ان الله لا يحب كل مختال فخور)..
أغلق ثابت باب داره, وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الحال, حتى نمى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره, فدعاه وسأله.
فقال ثابت:
" يا رسول الله, اني أحب الثوب الجميل, والنعل الجميل, وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين"..
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا:
" انك لست منهم..
بل تعيش بخير..
وتموت بخير..
وتدخل الجنة".
ولما نزل قول الله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..
ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض, أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)..
أغلق ثابت عليه داره, وطفق يبكي..
وافتقده الرسول فسأل عنه, ثم أرسل من يدعوه...
وجاء ثابت..
وسأله الرسول عن سببب غيابه, فأجابه:
" اني امرؤ جهير الصوت..
وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله..
واذن فقد حبط عملي, وأنا من أهل النار"..!!
وأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" انك لست منهم..
بل تعيش حميدا..
وتقتل شهيدا..
ويدخلك الله الجنة".
**
بقي في قصة ثابت واقعة, قد لا يستريح اليها أولئك الذين حصروا تفكيرهم وشعورهم ورؤاهم داخل عالمهم الماديّ الضيّق الذي يلمسونه, أو يبصرونه, أو يشمّونه..!
ومع هذا, فالواقعة صحيحة, وتفسيرها مبين وميّسر لكل من يستخدم مع البصر, البصيرة..
بعد أن استشهد ثابت في المعركة, مرّ به واحد من المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالاسلام ورأى على جثمان ثابت درعه الثمينة, فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه, فأخذها..
ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:
".. وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه.
فقال له: اني أوصيك بوصية, فاياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه.
اني لما استشهدت بالأمس, مرّ بي رجل من المسلمين.
فأخذ درعي..
وان منزله في أقصى الناس, وفرسه يستنّ في طوله, أي في لجامه وشكيمته.
وقد كفأ على الدرع برمة, وفوق البرمة رحل..
فأت خالدا, فمره أن يبعث فيأخذها..
فاذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر, فقل له: ان
عليّ من الدين كذا كذا..
فليقم بسداده..
فلما استيقظ الرجل من نومه, أتى خالد بن الوليد, فقصّ عليه رؤياه..
فأرسل خالد من يأتي بالدرع, فوجدها كما وصف ثابت تماما..
ولما رجع المسلمون الى المدينة, قصّ المسلم على الخليفة الرؤيا, فأنجز وصيّة ثابت..
وليس في الاسلام وصيّة ميّت أنجزت بعد موته على هذا النحو, سوى وصيّة ثابت بن قيس..
حقا ان الانسان لسرّ كبير..
( ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 10:28 | |
| أسيد بن خضير
بطل يوم السقيفة
ورث المكارم كابرا عن كابر..
فأبوه خضير الكتائب كان زعيم الأوس, وكان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية, ومقاتليهم الأشداء..
وفيه يقول الشاعر:
لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة
لهبن خضيرا يوم غلّق واقما
يطوف به, حتى اذا الليل جنّه
تبوأ منه مقعدا متناغما
وورث أسيد عن أبيه مكانته, وشجاعته وجوده, فكان قبل أن يسلم, واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب, ورماتها الأفذاذ..
فلما اصطفاه الاسلام, وهدي الى صراط العزيز الحميد, تناهى عزه.
وتسامى شرفه, يوم أخذ مكانه, وأخذ واحدا من انصار الله وأنصار رسوله, ومن السابقين الى الاسلام العظيم..
**
ولقد كان اسلامه يوم أسلم سريعا, وحاسما وشريفا..
فعندما أرسل الرسول عليه السلام مصعب بن عمير الى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوا النبي عليه السلام عل الاسلام بيعة العقبة الأولى, وليدعو غيرهم الى دين الله.
يومئذ, جلس أسيد بن خضير, وسعد بن معاذ, وكانا زعيمي قومما, يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفّه دينهما, ويدعو الى دين جديد لا يعرفونه..
وقال سعد لأسيد:" انطلق الى هذا الرجل فازجره"..
وحمل أسيد حربته, وأغذ السير الى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا الى الاسلام.
وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها الى الله, مصعب بن عمير..
وفجأهم أسيد بغضبه وثورته..
وقال له مصعب:
" هل لك في أن تجلس فتسمع.. فان رضيت أمرنا قبلته, ون كرهته, كففنا عنك ما تكره"..؟؟
**
كان أسيد رجلا.. وكان مستنير العقل ذكيّ القلب حتى لقبه أهل المدينة بالكامل.. وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله..
فلما رأى مصعبا يحتكم به الى المنطق والعقل, غرس حربته في الأرض, وقال لمصعب:
لقد أنصفت: هات ما عندك..
وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن, ويفسّر له دعوة الدين الجديد. الدين الحق الذي أمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته.
ويقول الذين حضروا هذا المجلس:
" والله لقد عرفنا في وجه أسيد الاسلام قبل أن يتكلم..
عرفناه في اشراقه وتسهّله"..!!
**
لم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد مبهورا:
" ما أحسن هذا الكلام وأجمله..
كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين".؟
قال له مصعب:
" تطهر بدنك, وثوبك, وتشهد شهادة الحق, ثم تصلي"..
ان شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة, وهي اذ تعرف طريقها , لا تتردد لحظة أمام ارادتها الحازمة..
ومن ثمّ, قام أسيد في غير ارجاء ولا ابطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه, وأشرقت به روحه, فاغتسل وتطهر, ثم سجد لله رب العالمين, معلنا اسلامه, مودّعا أيام وثنيّته, وجاهليته..!!
كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ, لينقل اليه أخبار المهمة التي كلفه بها.. مهمة زجر مصعب بن عمير واخراجه..
وعاد الى سعد..
وما كاد يقترب من مجلسه, حتى قال سعد لمن حوله:
" أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به".!!
أجل..
لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة, والغضب والتحدي..
وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور..!!
**
وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليلا..
انه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تماما في صفاء جوهره ومضاء عزمه, وسلامة تفكيره وتقديره..
ويعلم أنه ليس بينه وبين الاسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله, الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول اليهم مصعب بن عمير..
لكنه لو قال لسعد: اني أسلمت, فقم وأسلم, لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة..
اذن فعليه أن يثير حميّة سعد بطريقة تدفعه الى مجلس مصعب حتى يسمع ويرى..
فكيف السبيل لهذا..؟
كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة..
وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ..
هنالك قال أسيد لسعد:
" لقد حدّثت أن بني الحارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وهم يعلمون أنه ابن خالتك"..
وقام سعد, تقوده الحميّة والغضب, وأخذ الحربة, وسار مسرعا الى حيث أسعد ومصعب, ومن معهما من المسلمين..
ولما اقترب من المجلس لم يجد ضوضاء ولا لغطا, وانما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير, يتلو آيات الله في خشوع, وهم يصغون اليه في اهتمام عظيم..
هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد لكي يحمله على السعي الى هذا المجلس, والقاء السمع لما يقوله سفير الاسلام مصعب بن عمير.
ولقد صدقت فراسة أسيد في صاحبه, فما كاد سعد يسمع حتى شرح الله صدره للاسلام, وأخذ مكانه في سرعة الضوء بين المؤمنين السابقين..!!
**
كان أسيد يحمل في قلبه ايمانا وثيقا ومضيئا..
وكان ايمانه يفيء عليه من الأناة والحلم وسلامة التقدير ما يجعله أهلا للثقة دوما..
وفي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة:
" لقد أحللتموهم بلادكم, وقاسمتموهم أموالكم..
أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا الى غير دياركم..
أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل"..
سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات, بل هذه السموم المنافقة المسعورة, فكان حقا عليه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا, وقابله أسيد فقال له النبي عليه السلام:
أوما بلغك ما قال صاحبكم..؟؟
قال أسيد:
وأيّ صاحب يا رسول الله..؟؟
قال الرسول:
عبدالله بن أبيّ!!
قال أسيد:
وماذا قال..؟؟
قال الرسول:
زعم انه ان رجع الى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل.
قال أسيد:
فأنت والله, يا رسول الله, تخرجه منها ان شاء الله.. هو والله الذليل, وأنت العزيز..
ثم قال أسيد:
" يا رسول الله ارفق به, فوالله لقد جاءنا الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا, فهو يرى أن الاسلام قد سلبه ملكا"..
بهذا التفكير الهادئ العميق المتزن الواضح, كان أسيد دائما يعالج القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة..
وفي يوم السقيفة, اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار, وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة, وطال الحوار, واحتدمت المناقشة, كان موقف أسيد, وهو كما عرفنا زعيم أنصاري كبير, كان موقفه فعالا في حسم الموقف, وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاهه..
وقف أسيد فقال مخاطبا فريق الأنصار من قومه:
" تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين..
فخليفته اذن ينبغي أن يكون من المهاجرين..
ولقد كنا أنصار رسول الله..
وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته"..
وكانت كلماته, بردا, وسلاما..
**
ولقد عاش أسيد بن خضير رضي الله عنه عابدا, قانتا, باذلا روحه وماله في سبيل الخير, جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه:
" اصبروا.. حتى تلقوني على الحوض"..
ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصدّيق حبّه, كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر, وفي أفئدة الصحابة جميعا.
وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى المغانم الكبرى التي يحرص الأصحاب عليها..
ذلك الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه..
وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة, مات أسيد..
وأبى أمير المؤمنين عمر الا أن يحمل نعشه فوق كتفه..
وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم..
وعادوا الى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه:
" نعم الرجل.. أسيد بن خضير"..
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 10:31 | |
| عبدالرحمن بن عوف
ما يبكيك يا أبا محمد
ذات يوم, والمدينة ساكنة هادئة, أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف, راح يتعالى ويتراكم حتى كاد يغطي الأفق.
ودفعت الريح هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصحراء الناعمة, فاندفعت تقترب من أبواب المدينة, وتهبّ هبوبا قويا على مسالكها.
وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها, لكنهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ عن قافلة كبيرة مديدة.
ولم يمض وقت غير وجيز, حتى كانت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال تزحم شوارع المدينة وترجّها رجّا, ونادى الناس بعضهم بعضا ليروا مشهدها الحافل, وليستبشروا ويفرحوا بما تحمله من خير ورزق..
**
وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, وقد ترتمت الى سمعها أصداء القافلة الزاحفة..
سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة..؟
وأجيبت: انها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له..
قالت أم المؤمنين:
قافلة تحدث كل هذه الرّجّة..؟!
أجل يا ام المؤمنين.. انها سبعمائة راحلة..!!
وهزت أم المؤمنين رأسها, وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا, كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته, أو حديث سمعته..
"أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا"..
**
عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا..؟
ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله..؟
ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة اليه, فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة, وبأكثر من صيغة.
وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته, حث خطاه الى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه..
ثم قال:
" أما اني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها, وأقتابها, وأحلاسها, في سبيل الله عز وجل"..
ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها في مهرجان برّ عظيم..!!
هذه الواقعة وحدها, تمثل الصورة الكاملة لحياة صاحب رسول الله عبدالرحمن بن عوف".
فهو التاجر الناجح, أكثر ما يكون النجاح وأوفاه..
وهو الثري, أكثر ما يكون الثراء وفرة وافراطا..
وهو المؤمن الأريب, الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين, ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة الايمان ومثوبة الجنة.. فهو رضي الله عنه يجود بثروته في سخاء وغبطة ضمير..!!
**
متى وكيف دخل هذا العظيم الاسلام..؟
لقد أسلم في وقت مبكر جدا..
بل أسلم في الساعات الأولى للدعوة, وقبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم ويتخذها مقرا لالتقائه بأصحابه المؤمنين..
فهو أحد الثمانية الذن سبقوا الى الاسلام..
عرض عليه أبوبكر الاسلام هو وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص, فما غمّ عليهم الأمر ولا أبطأ بهم الشك, بل سارعوا مع الصدّيق الى رسول الله يبايعونه ويحملون لواءه.
ومنذ أسلم الى أن لقي ربه في الخامسة والسبعين من عمره, وهو نموذج باهر للمؤمن العظيم, مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يضعه مع العشرة الذين بشّرهم بالجنة.. وجعل عمر رضي الله عنه يضعه مع أصحاب الشورى الستة الذين جعل الخلافة فيهم من بعده قائلا:" لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض".
وفور اسلام عبدالرحمن بن عوف حمل حظه المناسب, ومن اضطهاد قريش وتحدّياتها..
وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة الى الحبشة هاجر ابن عوف ثم عاد الى مكة, ثم هاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم هاجر الى المدينة.. وشهد بدرا, وأحدا, والمشاهد كلها..
**
وكان محظوظا في التجارة الى حدّ أثار عجبه ودهشه فقال:
" لقد رأيتني, لو رفعت حجرا, لوجدت تحت فضة وذهبا"..!!
ولم تكن التجارة عند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه شرها ولا احتكارا..
بل لم تكن حرصا على جمع المال شغفا بالثراء..
كلا..
انما كانت عملا, وواجبا يزيدهما النجاح قربا من النفس, ومزيدا من السعي..
وكان ابن عوف يحمل طبيعة جيّاشة, تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون..
فهو اذا لم يكن في المسجد يصلي, ولا في الغزو يجاهد فهو في تجارته التي نمت نموا هائلا, حتى أخذت قوافله تفد على المدينة من مصر, ومن الشام, محملة بكل ما تحتاج اليه جزيرة العرب من كساء وطعام..
ويدلّنا على طبيعته الجيّاشة هذه, مسلكه غداة هجر المسلمين الى المدينة..
لقد جرى نهج الرسول يومئذ على أن يؤاخي بين كل اثنين من أصحابه, أحدهما مهاجر من مكة, والآخر أنصاري من المدينة.
وكانت هذه المؤاخات تتم على نسق يبهر الألباب, فالأنصاري من أهل المدينة يقاسم أخاه المهاجر كل ما يملك.. حتى فراشه, فاذا كان متزوجا باثنين طلق احداهما, ليتزوجها أخوه..!!
ويومئذ آخى الرسول الكريم بين عبدالرحمن بن عوف, وسعد بن الربيع..
ولنصغ للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يروي لنا ما حدث:
" .. وقال سعد لعبدالرحمن: أخي, أنا أكثر أهل المدينة مالا, فانظر شطر مالي فخذه!!
وتحتي امرأتان, فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلقها, وتتزوجها..!
فقال له عبدالرحمن بن عوف:
بارك الله لك في أهلك ومالك..
دلوني على السوق..
وخرج الى السوق, فاشترى.. وباع.. وربح"..!!
وهكذا سارت حياته في المدينة, على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته, أداء كامل لحق الدين, وعمل الدنيا.. وتجارة رابحة ناجحة, لو رفع صاحبها على حد قوله حجرا من مكانه لوجد تحته فضة وذهبا..!!
ومما جعل تجارته ناجحة مباركة, تحرّيه الحلال, ونأيه الشديد عن الحرام, بل عن الشبهات..
كذلك مما زادها نجاحا وبركة أنها لم تكن لعبدالرحمن وحده.. بل كان لله فيها نصيب أوفى, يصل به أهله, واخوانه, ويجهّز به جيوش الاسلام..
واذا كانت التجارة والثروات, انما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها فان ثروة عبدالرحمن بن عوف انما تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل الله رب العالمين..!!
لقد سمع رسول الله يقول له يوما:
" يا بن عوف انك من الأغنياء..
وانك ستدخل الجنة حبوا..
فأقرض الله يطلق لك قدميك"..
ومن سمع هذا النصح من رسول الله, وهو يقرض ربه قرضا حسنا, فيضاعفه له أضعافا كثيرة.
باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار, ثم فرّقها في أهله من بني زهرة, وعلى أمهات المؤمنين, وفقراء المسلمين.
وقدّم يوما لجيوش الاسلام خمسمائة فرس, ويوما آخر الفا وخمسمائة راحلة.
وعند موته, أوصى بخمسن ألف دينار في سبيل الله, وأوصى لكل من بقي ممن شهدوا بدرا بأربعمائة دينار, حتى ان عثمان بن عفان رضي الله عنه, أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال:" ان مال عبدالرحمن حلال صفو, وان الطعمة منه عافية وبركة".
**
كان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده..
وآية ذلك أنه لم يكن يشقى بجمعه ولا باكتنازه..
بل هو يجمعه هونا, ومن حلال.. ثم لا ينعم به وحده.. بل ينعم به معه أهله ورحمه واخوانه ومجتمعه كله.
ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال:
" أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله.
" ثلث يقرضهم..
وثلث يقضي عنهم ديونهم..
وثلث يصلهم ويعطيهم.."
ولم يكن ثراؤه هذا ليبعث الارتياح لديه والغبطة في نفسه, لو لم يمكّنه من مناصرة دينه, ومعاونة اخوانه.
أما بعد هذا, فقد كان دائم الوجل من هذا الثراء..
جيء له يوما بطعام الافطار, وكان صائما..
فلما وقعت عيناه عليه فقد شهيته وبكى وقال:
" استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني, فكفّن في بردة ان غطت رأسه, بدت رجلاه, وان غطت رجلاه بدا رأسه.
واستشهد حمزة وهو خير مني, فلم يوجد له ما يكفن فيه الا بردة.
ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط, وأعطينا منها ما أعطينا واني لأخشى أن نكون قد عجّلت لنا حسناتنا"..!!
واجتمع يوما مع بعض أصحابه على طعام عنده.
وما كاد الطعام يوضع أمامهم حتى بكى وسألوه:
ما يبكيك يا أبا محمد..؟؟
قال:
" لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير..
ما أرانا أخرنا لما هو خير لنا"..!!
كذلك لم يبتعث ثراؤه العريض ذرة واحدة من الصلف والكبر في نفسه.. حتى لقد قيل عنه: انه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه, ما استطاع أن يميزه من بينهم..!! لكن اذا كان هذا الغريب يعرف طرفا من جهاد ابن عوف وبلائه, فيعرف مثلا أنه أصيب يوم أحد بعشرين جراحة, وان احدى هذه الاصابات تركت عرجا دائما في احدى ساقيه.. كما سقطت يوم أحد بعض ثناياه. فتركت همّا واضحا في نطقه وحديثه..
عندئذ لا غير, يستطيع هذا الغريب أن يعرف أن هذا الرجل الفارع القامة, المضيء الوجه, الرقيق البشرة, الأعرج, الأهتم من جراء اصابته يوم أحد هو عبدالرحمن بن عوف..!!
رضي الله عنه وأرضاه..
**
لقد عوّدتنا طبائع البشر أن الثراء ينادي السلطة...
أي أن الأثرياء يحبون دائما أن يكون لهم نفوذ يحمي ثراءهم ويضاعفه, ويشبع شهوة الصلف والاستعلاء والأنانية التي يثيرها الثراء عادة..
فاذا رأينا عبدالرحمن بن عوف في ثرائه العريض هذا, رأينا انسانا عجبا يقهر طبائع البشر في هذا المجال ويتخطاها الى سموّ فريد..!
حدث ذلك عندما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجود بروحه الطاهرة, ويختار ستة رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ليختاروا من بينهم الخليفة الجديد..
كانت الأصابع تومئ نحو ابن عوف وتشير..
ولقد فاتحه بعض الصحابة في أنه أحق الستة بالخلافة, فقال:
" والله, لأن تؤخذ مدية, فتوضع في حلقي, ثم ينفذ بها الى الجانب الآخر أحب اليّ من ذلك"..!!
وهكذا لم يكد الستة المختارون يعقدون اجتماعهم ليختاروا أحدهم خليفة بعد الفاروق عمر حتى أنبأ اخوانه الخمسة الآخرين أنه متنازل عن الحق الذي أضفاه عمر عليه حين جعله أحد الستة الذين يختار الخليفة منهم.. وأنّ عليهم أن يجروا عملية الاختيار بينهم وحدهم أي بين الخمسة الآخرين..
وسرعان ما أحله هذا الزهد في المنصب مكان الحكم بين الخمسة الأجلاء, فرضوا أن يختار هو الخليفة من بينهم, وقال الامام علي:
" لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أهل السماء, وأمين في أهل الأرض"..
واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلافة, فأمضى الباقون اختياره.
**
هذه حقيقة رجل ثري في الاسلام..
فهل رأيتم ما صنع الاسلام به حتى رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلاته, وكيف صاغه في أحسن تقويم..؟؟
وها هو ذا في العام الثاني والثلاثين للهجرة, يجود بأنفاسه..
وتريد أم المؤمنين عائشة أن تخصّه بشرف لم تختصّ به سواه, فتعرض عليه وهو على فراش الموت أن يدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر..
ولكنه مسلم أحسن الاسلام تأديبه, فيستحي أن يرفع نفسه الى هذا الجوار...!!
ثم انه على موعد سابق وعهد وثيق مع عثمان بن مظعون, اذ تواثقا ذات يوم: أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه..
**
وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الجديدة كانت عيناه تفيضان من الدمع ولسانه يتمتم ويقول:
" اني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال"..
ولكن سكينة الله سرعان ما تغشته, فكست وجهه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتهللة المطمئنة..
وأرهفت أذناه للسمع.. كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما..
لعله آنئذ, كان يسمع صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم له منذ عهد بعيد:
" عبدالرحمن بن عوف في الجنة"..
ولعله كان يسمع أيضا وعد الله في كتابه..
( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله, ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى, لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)..
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 10:36 | |
| أبو جابر عبدالله بن عمرو بن حرام
ظليل الملائكة
عندما كان الأنصار السبعون يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية, كان عبدالله بن عمرو بن حرام, أبو جابر بن عبدالله أحد هؤلاء الأنصار..
ولما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم منهم نقباء, كان عبدالله بن عمرو أحد هؤلاء النقباء.. جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا على قومه من بني سلمة..
ولما عاد الى المدينة وضع نفسه, وماله, وأهله في خدمة الاسلام..
وبعد هجرة الرسول الى المدينة, كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة في مصاحبة النبي عليه السلام ليله ونهاره..
**
وفي غزوة بدر خرج مجاهدا, وقاتل قتال الأبطال..
وفي غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يخرج المسلمون للغزو..
وغمره احساس صادق بأنه لن يعود, فكاد قلبه يطير من الفرح!!
ودعا اليه ولده جابر بن عبدالله الصحابي الجليل, وقال له:
" اني لا أراي الا مقتولا في هذه الغزوة..
بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين..
واني والله, لا أدع أحدا بعدي أحبّ اليّ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وان عليّ دينا, فاقض عني ديني, واستوص باخوتك خيرا"..
**
وفي صبيحة اليوم التالي, خرج المسلمون للقاء قريش..
قريش التي جاءت في جيش لجب تغزو مدينتهم الآمنة..
ودارت معركة رهيبة, أدرك المسلمون في بدايتها نصرا سريعا, كان يمكن أن يكون نصرا حاسما, لولا أن الرماة الذين امرهم الرسول عليه السلام بالبقاء في مواقعهم وعدم مغادرتها أبدا أغراهم هذا النصر الخاطف على القرشيين, فتركوا مواقعهم فوق الجبل, وشغلوا بجمع غنائم الجيش المنهزم..
هذا الجيش الذي جمع فلوله سريعا حين رأى ظهر المسلمين قد انكشف تماما, ثم فاجأهم بهجوم خاطف من وراء, فتحوّل نصر المسلمين الى هزيمة..
**
في هذا القتال المرير, قاتل عبدالله بن عمرو قتال مودّع شهيد..
ولما ذهب المسلمون بعد نهاية القتال ينظرون شهدائهم.. ذهب جابر ابن عبداله يبحث عن أبيه, حتى ألفاه بين الشهداء, وقد مثّل به المشركون, كما مثلوا يغيره من الأبطال..
ووقف جابر وبعض أهله يبكون شهيد الاسلام عبدالله بن عمرو بم حرام, ومرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكونه, فقال:
" ابكوه..
أولا تبكوه..
فان الملائكة لتظلله بأجنحتها"..!!
**
كان ايمان أبو جابر متألقا ووثيقا..
وكان حبّه بالموت في سبيل الله منتهى أطماحه وأمانيه..
ولقد أنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيما, يصوّر شغفه بالشهادة..
قال عليه السلام لولده جابر يوما:
" يا جابر..
ما كلم الله أحدا قط الا من وراء حجاب..
ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_
فقال له: يا عبدي, سلني أعطك..
فقال: يا رب, أسألك أن تردّني الى الدنيا, لأقتل في سبيلك ثانية..
قال له الله:
انه قد سبق القول مني: أنهم اليها لا يرجعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة..
فأنزل الله تعالى:
(ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا, بل أحياء عند ربهم يرزقون, فرحين بما أتاهم الله من فضله, ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)".
**
وعندما كان المسلمون يتعرفون على شهدائهم الأبرار, بعد فراغ القتال في أحد..
وعندما تعرف أهل عبدالله بن عمرو على جثمانه, حملته زوجته على ناقتها وحملت معه أخاها الذي استشهد أيضا, وهمّت بهما راجعة الى المدينة لتدفنهما هناك, وكذلك فعل بعض المسلمين بشهدائهم..
بيد أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بهم وناداهم بأمر رسول الله أن:
" أن ادفنوا القتلى في مصارعهم"..
فعاد كل منهم بشهيده..
ووقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يشرف على دفن أصحابه الشهداء, الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وبذلوا أرواحهم الغالية قربانا متواضعا لله ولرسوله.
ولما جاء دور عبدالله بن حرام ليدفن, نادى رسول الله صلى اله عليه وسلم:
" ادفنوا عبدالله بن عمرو, وعمرو بن الجموح في قبر واحد, فانهما كانا في الدنيا متحابين, متصافين"..
**
والآن..
في خلال اللحظات التي يعدّ فيها القبر السعيد لاستقبال الشهيدين الكريمين, تعالوا نلقي نظرة محبّة على الشهيد الثاني عمرو بن الجموح...
| |
| | | إيمان مشرفة مدينة الحب
البلد : الجنس : عدد الرسائل : 13564 الأغنية المفضلة : لا يا صديقي الألبوم المفضل : انا وليلى الفيديو كليب المفضل : اغسلي بالبرد تاريخ التسجيل : 19/10/2009 ~~ SMS ~~ : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
| موضوع: رد: رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) 15/5/2011, 10:44 | |
| عمرو بن الجموح
أريد أن أخطر بعرجتي في الجنة
انه صهر عبدالله بن حرام, اذ كان زوجا لأخته هند بن عمرو..
وكان ابن الجموح واحدا من زعماء المدينة, وسيدا من سادات بني سلمة..
سبقه الى الاسلام ابنه معاذ بن عمرو الذي كان أحد الأنصار السبعين, أصحاب البيعة الثانية..
وكان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل يدعوان للاسلام بين أهل المدينة في حماسة الشباب المؤمن الجريء..
وكان من عادة الناس هناك أن يتخذ الأشراف من بيوتهم أصناما رمزية غير تلك الأصنام الكبيرة المنصوبة في محافلها, والتي تؤمّها جموع الناس..
وتعود معاذ بن عمرو بن الجموح مع صديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من صنم عمرو بن جموح سخرية ولعبا..
فكانا يدلجان عليه ليلا, ثم يحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيه فضلاتهم..
ويصيح عمرو فلا يجد منافا في مكانه, ويبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة.. فيثور ويقول:
ويلكم من عدا على آلهتنا الليلة..!؟
ثم يغسله ويطهره ويطيّبه..
فاذا جاء ليل جديد, صنع المعاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل بالصنم مثل ما يفعلان به كل ليلة.
حتى اذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنق مناف وقال له: ان كان فيك خير فدافع عن نفسك..!!
فلما اصبح فلم يجده مكانه.. بل وجده في الحفرة ذاتها طريحا, بيد أن هذه المرة لم يكن في حفرته وحيدا, بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق.
واذا هو في غضبه, وأسفه ودهشه, اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين كانوا قد سبقوا الى الاسلام.. وراحوا, وهم يشيرون بأصابعهم الى الصنم المنكّس المقرون بكلب ميت, يخاطبون في عمرو بن الجموح عقله وقلبه ورشده, محدثينه عن الاله الحق, العلي الأعلى, الذي ليس كمثله شيء.
وعن محمد الصادق الأمين, الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ.. ليهدي, لا ليضل..
وعن الاسلام, الذي جاء يحرر البشر من الأعلال, جميع الأغلل, وجاء يحيى فيهم روح الله وينشر في قلوبهم نوره.
وفي لحظات وجد عمرو نفسه ومصيره..
وفي لحظات ذهب فطهر ثوبه, وبدنه.. ثم تطيّب وتأنق, وتألق, وذهب عالي الجبهة مشرق النفس, ليبايع خاتم المرسلين, وليأخذ مكانه مع المؤمنين.
**
قد يسأل سائل نفسه, كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الجموح.. وهم زعماء قومهم وأشراف.. كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا الايمان..؟
وكيف لم تعصمهم عقولهم عن مثل هذا الهراء.. وكيف نعدّهم اليوم, حتى مع اسلامهم وتضحياتهم, من عظماء الرجال..؟
ومثل هذا السؤال يبدو ايراده سهلا في أيامنا هذه حيث لا نجد طفلا يسيغ عقله أن ينصب في بيته خشبة ثم يعبدها..
لكن في أيام خلت, كانت عواطف البشر تتسع لمثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم حيلة تجاه تلك التقاليد..!!
وحسبنا لهذا مثلا أثينا..
أثينا في عصر باركليز وفيثاغورس وسقراط..
أثينا التي كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبهر الأباب, كان أهلها جميعا: فلاسفة, وحكاما, وجماهير يؤمنون بأصنام منحوتة تناهي في البلاهة والسخرية!!
ذلك أن الوجدان الديني في تلك العصور البعيدة, لم يكن يسير في خط مواز للتفوق العقلي...
**
أسلم عمرو بن الجموح قلبه, وحياته لله رب العالمين, وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الجود والسخاء, فان الاسلام زاد جوده مضاء, فوضع كل ماله في خدمة دينه واخوانه..
سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح فقال:
من سيّدكم يا بني سلمة..؟
قالوا: الجدّ بن قيس, على بخل فيه..
فقال عليه الصلاة والسلام:
وأي داء أدوى من البخل!!
بل سيّدكم الجعد الأبيض, عمرو بن الجموح..
فكانت هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريما لابن الجموح, أي تكريم..!
وفي هذا قال شاعر الأنصار:
فسوّد عمرو بن الجموح لجوده
وحق لعمرو بالنّدى أن يسوّدا
اذا جاءه السؤال أذهب ماله
وقال: خذوه, انه عائد غدا
وبمثل ما كان عمرو بن الجموح يجود بماله في سبيل الله, أراد أن يجود بروحه وبحياته..
ولكن كيف السبيل؟؟
ان في ساقه عرجا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال.
وانه له أربعة أولاد, كلهم مسلمون, وكلهم رجال كالأسود, كانوا يخرجون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو, ويثابرون على فريضة الجهاد..
ولقد حاول عمرو أن يخرج في غزوة بدر فتوسّل أبناؤه الى النبي صلى الله عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج, أو يأمره به اذا هو لم يقتنع..
وفعلا, أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الاسلام يعفيه من الجهاد كفريضة, وذلك لعجزه الماثل في عرجه الشديد..
بيد أنه راح يلحّ ويرجو.. فأمره الرسول بالبقاء في المدينة.
**
وجاءت غزوة أحد فذهب عمرو الى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل اليه أن يأذن له وقال له:
" يا رسول الله انّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك الى الجهاد..
ووالله اني لأرجو أن, أخطر, بعرجتي هذه في الجنة"..
وأمام اصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج, فأخذ سلاحه, وانطلق يخطر في حبور وغبطة, ودعا ربه بصوت ضارع:
" اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني الى أهلي".
والتقى الجمعان يوم أحد..
وانطلق عمرو بن الجموح وأبناؤه الأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلام..
كان عمرو بن الجموح يخطر وسط المعمعة الصاخبة, ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية..
كان يضرب الضربة بيمينه, ثم يلتفت حواليه في الأفق الأعلى, كأنه يتعجل قدوم الملاك الذي سيقبض روحه, ثم يصحبها الى الجنة..
أجل.. فلقد سأل ربه الشهادة, وهو واثق أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب له..
وهو مغرم بأن يخطر بساقه العرجاء في الجنة ليعلم أهلها أن محمدا رسول اله صلى الله عليه وسلم, يعرف كيف يختار الأصحاب, وكيف يربّي الرجال..!!
**
وجاء ما كان ينتظر.
ضربةسيف أومضت, معلنة ساعة الزفاف..
زفاف شهيد مجيد الى جنات الخلد, وفردوس الرحمن..!!
**
واذ كان المسلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول عليه الصلاة والسلام أمره الذي سمعناه من قبل:
" انظروا, فاجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد, فانهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين"..!!
**
ودفن الحبيبان الشهيدان الصديقان في قبر واحد, تحت ثرى الأرض التي تلقت جثمانيهما الطاهرين, بعد أن شهدت بطولتهما الخارقة.
وبعد مضي ست وأربعين سنة على دفنهما, نزل سيل شديد غطّى أرض القبور, بسبب عين من الماء أجراها هناك معاوية, فسارع المسلمون الى نقل رفات الشهداء, فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا في نقل رفاتهم:
" ليّنة أجسادهم..
تتثنى أطرافهم"..!
وكان جابر بن عبدالله لا يزال حيا, فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدالله بن عمرو بن حرام, ورفات زوج عمته عمرو بن الجموح..
فوجدهما في قبرهما, كأنهما نائمان.. لم تأكل الأرض منهما شيئا, ولم تفارق شفاههما بسمة الرضا والغبطة التي كانت يوم دعيا للقاء الله..
أتعجبون..؟
كلا, لا تعجبوا..
فان الأرواح الكبيرة, التقية, النقية, التي سيطرت على مصيرها.. تترك في الأجساد التي كانت موئلا لها, قدرا من المناعة يدرأ عنها عوامل التحلل, وسطوة التراب..
| |
| | | | رجــال ... حـول الرســول (( موضوع متجدد )) | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|