كاظم الساهر عراقي وقطري ومصري وأردني وفلسطيني.. 2004

الانتماء والإبداع.. دروس من المبدعين الكبار إلي المتفوقين والموهوبين الصغار
الأحد 4/4/2004

باديء ذي بدء نقول: إن الذي دفعنا الي كتابة هذه الأسطر القليلة هو المقابلة التي أجراها تلفزيون قطر مع الفنان المتعدد المواهب والابداع كاظم الساهر ليلة 11 - 12/3/2004. ونقول: الفنان كاظم الساهر من غير ان نحدد هويته العراقية، لكون المبدعين الكبار في كل ميدان هم ملك الأمة، كل الأمة، وملك الانسانية. فكاظم الساهر عراقي وقطري ومصري وأردني وفلسطيني.. الخ.

ولو عاد القاريء الكريم الذي شاهد المقابلة بذاكرته الي ما دار فيها، يجد ان الرجل كان موهوبا ومبدعا في أكثر من ميدان. فهو موهوب في حنجرته وشعره ومبدعا في أدائه وعزفه وتلحينه. وفي كل تلك الميادين، كان منتميا الي اسرته الصغيرة ووطنه الصغير - الكبير العراق بكل قومياته وأديانه من غير تمييز، ومنتميا الي أمته.

حينما نسمع كاظم الساهر، في تلك المقابلة أو في مقابلاته الغنائية، نسمع صوت العراق والعراقيين ونشم رائحتهم ونلاحظ تعبهم وحزنهم، الذي تمتد جذوره الي قرون خلت، علي وجه الرجل وصوته ولحنه، نكاد نسمع بدر شاكر السياب يشدو انشودة المطر والجواهري يصدح يا دجلة الخير يا أم البساتين ، ونري جواد سليم وهو يرسم بريشته الناعمة نصب الحرية .

نقول: نعم انه انتماء المبدع الي الارض التي زحف عليها لأول مرة والي الاسرة التي اكتسب منها اسمه ودينه وطائفته وقوميته وكلماته الاولي والي المجتمع الذي غرس فيه الخوف والحب والخجل الجميل والتحدي، انه الانتماء الي الوطن الذي عاني منه وفيه لأول مرة، وهاجر منه لأول مرة من غير أن ينساه، كما لم ينس انتماءه الي ابناء أمته في مصر والاردن ولبنان وقطر وفلسطين.. الخ.

نعم انه انتماء المبدع الي ميدان ابداعه وأسرته ووطنه وأمته والانسانية. ان الانتماء والابداع صفتان متكاملتان في شخصية الفرد المبدع لا يمكن فصلهما عن بعضهما، كما لا يمكن فصلهما عن سمات المبدع الاخري (الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية). ونجد تلازم هاتين الصفتين عند غالبية المبدعين عبر التاريخ، وعند كل الأمم، منذ افلاطون وأرسطو وسقراط مرورا بالغزالي وابن رشد والكندي وصلاح الدين.. الخ. ونعتقد ان درجة الانتماء تزداد مع ارتفاع درجة ابداع الفرد، والعكس يمكن ان يكون صحيحا، سواء كان ميدان ابداع المبدع في الفنون أو الآداب أو العلوم أوالسياسة.

وتؤكد سيرة حياة المبدعين الكبار ما ذهبنا اليه. إذ تشير سيرة حياة كل من مستودع الاختراعات أديسون (يسمي بمستودع الاختراعات لكونه سجل أكثر من ألف براءة اختراع باسمه) الي انه كان يعمل بمعدل يصل الي حوالي (18) ساعة يوميا في معمله (وهذا لا يمكن ان يحدث ويستمر من غير حب وانتماء لميدان ابداعه) وسيرة حياة المهاتما غاندي تؤكد انه عاش ظروف حياة تقترب من ظروف حياة فقراء الهند من أجل تحرير بلاده من البريطانيين، وسيرة حياة عميد السجناء السياسيين في العالم نيلسون مانديلا تشير الي انه بقي حوالي (27) عاما في سجون البيض في جنوب افريقيا من غير ان يتنازل عن حقوق ابناء وطنه في التحرر من الفقر والظلم والعنصرية من سكانها البيض المستندين في ظلمهم وعنصريتهم ضد الاغلبية السوداء الي دعم الدول الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية. أما سيرة حياة الشهيد الجليل الشيخ أحمد ياسين (سلام علي روحه الطاهرة يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا مع الشهداء والصديقين) الذي ضحي بجسده الطاهر من أجل وطنه وشعبه وأمته ودينه فلا يزال صداها وسيبقي يتردد عبر الزمن. إذ جاد الرجل الشهيد بنفسه، و الجود بالنفس أقصي غاية الجود . (هذه هي نماذج من انتماء السياسي المبدع لأهله ووطنه وليس السياسي المنتمي الي كرسي الحكم وما يمنحه اياه من سلطة مؤقتة وهيبة زائفة تتلاشي بلمح البصر) وانتماء نجيب محفوظ، الحائز علي جائزة نوبل للآداب عام (1986)، الي مصادر ابداعه الكامنة في قاهرته ومصره، بل حتي المبدع الذي هاجر أو هجر ظل يردد:
بلادي وان جارت عليّ عزيزة
وأهلي وإن شحوا علي كرام

وها هو أحمد زويل الحائز علي جائزة نوبل في العلوم عام (1999) يؤكد انتماءه الي مصر وأهل مصر عندما يهدي كتابه الموسوم: رحلة عبر الزمن.. مسيرة حياة الي جائزة نوبل الي مصر وشباب مصر بقوله: الي مصر، لقد أضاءت شعلة الحضارة. انك تستحقين مستقبلا باهرا. أتمني أن تضيء رحلتي هذه شمعة من الأمل لشبابك وعندما يخصص ريع الكتاب الي انشاء جائزة للطلاب المصريين المتفوقين. علي الرغم من انتمائه الجديد الي وطنه الجديد (امريكا) التي وفرت له ما لم تستطع مصر توفيره، فساعده ذلك علي الوصول الي جائزة نوبل.

إذ لولا وطنه الجديد امريكا لربما ضاع، كما ضاع ويضيع الكثير من المبدعين العرب والمسلمين من مصر أو من غيرها من دول العالمين الثالث والرابع في البحث عن فرصة عمل أو اقامة في هذا البلد أو ذاك. ونكتفي بهذه الامثلة القليلة التي لا تترك شكا في انتماء المبدعين الكبار ووفائهم الي أهلهم ووطنهم. وأترك القاريء الكريم يبحث في ذاكرته ومدينته ووطنه وأمته عن أمثله أخري، وهي كثيرة.

أما الدروس التي يقدمها المبدعون الكبار للمتفوقين والموهوبين الصغار والشباب عبر سيرة حياة كل منهم فإنها تتخلص في:
حب الفرد ميدان موهبته وتفوقه، والتضحية من أجله (الميدان) بالوقت والجهد والمال (وأحيانا يتطلب الابداع حياة المبدع كلها) من غير نسيان حب الأسرة والمجتمع والوطن والأمة والانسانية. والحب انتماء.
وختاماً نقول: تحية وتقديرا لتلفزيون قطر الذي قدم المبدعين والموهوبين الي مجتمعهم ومحبيهم ونأمل ان يستمر في ذلك ويضم اليهم الموهوبين القطريين الشباب، ونقول أيضاً: سلاما الي كاظم الساهر وسلاما الي جميع المبدعات والمبدعين المنتمين الي أهلهم ووطنهم وأمتهم والانسانية في دولة قطر أو في غيرها من دول العالم.

د.كاظم عبدالنور
المركز القطري للموهوبين والمبدعين

المصدر

» الساهر يحصل علي الجنسية القطرية ويعلن: انا عراقي ساعيش عراقيا واموت عراقي
» كاظم الساهر في البرت هول 2004
» كاظم الساهر في كل مكان 2004
» كاظم الساهر في مهرجانات ريفون 2004
» حنان ترك غاضبة من كاظم الساهر 2004