ارتباط أغنية كاظم الساهر "عيد وحب" ب "يوم الحب" 2008

بالمنطق ذاته ترقبوا.. عيد "الخواطر المكسورة" و"أسبوع المرور" على الأطلال..
العولمة "تموسم" مشاعرنا .. والشعراء يثورون في وجه "يوم الحب"!
21 فبراير 2008

يبدو أن "موسمة" المشاعر قد أصبحت عادة أخرى جاءت بها إلينا السيدة "عولمة" على طبق من تقليد أعمى مستورد من الخارج، نحن أساتذته بامتياز، وبناء على ذلك فتكريس يوم للاحتفال بالحب يبدو فكرة مراهقة ملائمة للكثير من الجمهور المتحفز دائماً لاستهلاك الشعارات كما يريد وكيفما اتفق، ولأن أوساط الشباب تمثل بيئة قابلة لاستيراد مفاهيم كتلك واستخدامها بمنتهى العبثية في كثير من الأحيان، فقد أصبح من الضروري أن نتساءل عن هذه القدرة العجيبة لديهم على تبني أي مناسبة عديمة الفائدة كهذه والاحتفاء بها بحالة هيسترية تتلبس الحب ولا يلبسها وعلى نحو يأكل "الأحمر" واليابس!!

"هل نحتاج يوماً خاصاً كي نحب؟".. حتماً لا، ولو كان الأمر كذلك لاحتجنا في المقابل إلى يوم إجازة من الحب، و"أسبوع مرور" على الأطلال، كما لا نستبعد أن تطالب جمعيات حقوق الإنسان بتحديد عيد لأصحاب الخواطر المكسورة، ويوم تضامن مع المصدومين عاطفياً، ومهرجان "الزعلانين من بعض"، ولكم أن تتخيلوا الكثير من قبيل يوم الحب الذي ابتدعه القسيس "فالنتاين"، وتبعه العالم بمبدأ "مع الخيل يا شقرا"، ولكم كذلك أن تدركوا حقيقة أن الشعور لا تاريخ له كما أن الأماني ليست حكرا على لحظة دون أخرى.

هجوم الشعراء يأكل"الأحمر" واليابس!!

ما جاب فينا العيد غير الحب

واحنا نسوّي للمحبة عيد!

صحيح داء الحمق ماله طب

وصحيح عالم غاوية تنكيد

بنبرة الاحتجاج المطلق، ومن حيث المبدأ يرفض الشاعر محمد عيضة المناسبة الدخيلة فكأنه يقول إن ما بني على حماقة يمثل حماقة أكبر، وإن هذا الظاهرة أعيت من يداويها فعلا، وكأنه يختصر كل ما يريد قوله عن ما يسمى بـ"عيد الحب" بجملة مختزلة بليغة تقول: ما جاب فينا "العيد" غير "الحب"!

في حين يفتح الشاعر عبد الله الراشد النار على التقليد الأعمى للغرب في احتفال كهذا حاسماً الأمر بالبديهية الشرعية التي لا تقر غير عيدين اثنين للمسلمين هما عيد الفطر وعيد الأضحى، فيقول:

أخّيه واعيباه .. يا بعض الأحباب

تمشي ورا الدنيا وبعض التقاليد

ومن قال إن الحب له عيد كذاب

اللي ما هو عيدين ربي ما هو عيد

عبد الله السهلي بدوره يستهل استهلالاً نارياً بالدعاء على ما يسمى "عيد الحب"، والمفارقة التي تكشفها الأبيات هنا أن عيد الحب كان سبباً لغضب حبيبةٍ تركته لمجرد كونه لم يعترف بالمناسبة، ويحتفل بها كما يفعل الغربيون، وهو الأمر الذي يرفضه شاعرنا ولو كلفه ثمن ذلك فراقاً في يوم يزعم كونه للقاء!

عسى الله لا يبارك بك يا عيد الحب

زعل من سبِّتك خلِّي وخلاني

يبينا نحتفل مثل الشعوب الغرب

وأنا مسلم ولا أتبع عيد نصراني

في الإطار نفسه، ودون أي خسائر في الممتلكات العاطفية، يستعرض عبد الرحمن الرويس بعضا من المقتنيات التي تهدى "نمطياً" في هذا اليوم قبل أن ينسف المشهد الرومانسي في البيت الأول باستخدامه حكما "شرعياً" قبل أن يكون "شعرياً"، وموقف الرويس هنا يتفق مع الراشد والسهلي بشكل لا يقل حسماً عنهما في رفض هذه المناسبة الدخيلة على قيمنا. يقول عبد الرحمن:

شمعة وكاب أحمر ودبدوب وورود

وهديةٍ جت من حبيب لحبيبة

عيد النصارى شي باطل ومنقود

حطه "فالنتاين" ولا نقتدي به

الشاعر عبد الله العمار بدوره يعقد اتفاق مبادئ مع الرفض، كما أنه لا يجد أهمية لاحتواء الحب بيوم دون آخر، ليس من مسلمات دينية فقط بل من منطلق أن الشعور الصادق في نظره مستمر وعصي على التحديد الزمني، كما أن "فبراير" ليس هو بالضرورة من يجمع شمل الأحبة بقدر ما يجمعهم شوقهم وإحساسهم ببعضهم.

الحب ماله يوم في شهور الأصحاب

لا صار صادق تستمر المحبة

ما عمر فبراير جمع شمل الأحباب

اللي جمعهم شوق زايد مهبّه

من ناحية أخرى، ودون أن تضطر بنا القافية إلى صعود جبل أو نزول من آخر، لا يحتاج الأمر كثيرا من العناء لاكتشاف أن النموذج الشعري التالي سيختلف عن المعارضين (الراشد والسهلي والرويس) وغير المعترفين (العمار)، فها هو الشاعر جزاء البقمي يفتح خطاً جديداً في موضوعنا تمثل في المؤيدين للاحتفال بهذه المناسبة، ويجدر أن نشير إلى أن هذه الشريحة واسعة جدا ولا يمكن حصرها، ومازال التساؤل مستمرا.. ألم يكن بإمكان شاعر ما أن يقدم هداياه ويطوّع حروفه في يوم آخر؟

جيتك بورد وهدايا جيتك بقلبٍ يبيك

جيتك بحب سرقني وأصبح بعيني مثال

جيتك من الشوق ظامي يا عساني ارتويك

كلها ليلة .. ولا فكّرت في سود الليال

هذا عيد الحب اقّبل يا حبيبي ما عليك

غير تفتح قلبك لعاشق وصالك بالوصال

واترك الباقي على من عاش عمره يرتجيك

شاعر طوّع لك الحرف.. وطلع روس الجبال

الأغنية .. فزعة المناسبات وبيع الفضفضة !!

على نحو طبيعي في زمن باتت الأغنية فيه وسيلة تأثير جماهيري، وغير بعيد عن ملامسة مشاعر المراهقين الشغفين دوما لكل مناسبة تنفس كبتهم العاطفي، جاءت الأغنية العربية لتروج بدورها لهذه المناسبة عبر عدة أعمال ترسخت في ذهن شريحة كبيرة قد لا يكون استماعها لهذه الأغنيات مرتبطا حتما باعتبارات فنية، بقدر ما هو محكوم بارتباطات وقتية تستدعي سماع وإهداء أغنية تتحدث عن مناسبة شائعة، بالتالي يتحول الفن هنا إلى مرآة للواقع أياً كانت اهتماماته، ويتجاوز ذلك إلى ترسيخ مناسبات وظواهر اجتماعية خاطئة فقط لمجرد كونها تحظى بالشعبية، فالأغنية منتج استهلاكي في هذا الزمن، وجمهور عشاق الغفلة "عاوز كده"!

نماذج تتزايد سنوياً من الأغاني العربية، رصد الجمهور منها في فترات سابقة عددا من الأعمال التي جاء معظمها على شكل "الدويتو" لتجسيد شخصية العاشقين المفترضين فاحتفل فضل شاكر مع شيرين، وأحلام مع فايز السعيد وغيرهم، في حين جسّد المناسبة شعرياً عبد الله السيد الهاشمي مع مطلع الشمس، ودعيج الموسى وغيرهم من شعراء الأغنية،
وربما ارتبطت أغنية كاظم الساهر "عيد وحب" بأذهان الكثيرين، وهي من كلمات الشاعر كرم العراقي:

عيد و حب هاي الليلة الناس معيديـن

لو أنت وياي الليلة العيد بعيدين

مـروا علي و فاتوا وحدي بلا خل

اثنين اثنين الحبايب يا غايب طل

شايل وردتي بإيدي و هنيت الكل

لك وين الدنيا مغيبتك لو أعرف وين

الاحتفال بمعناه الببغاوي

سيختلف الأمر بين شاعر وآخر بحسب اتساع فكره ورؤيته ومفهومه عن الحب أصلاً، ولكل عاشق فلسفته فيما يحب، غير أن ذلك لا يبرر حتما أن يكون أحدنا "إمعة" على أهبة الاحتفال بأي شيء، بطريقة تتسع لتتحول ظاهرة اجتماعية لا تعترف بنفسها ولا بقيمها في مقابل اعترافها بمناسبات الآخرين، تكرسها شريحة لا يعنيها كثيرا معرفة أن هذا اليوم يمثل احتفالا دينيا مسيحيا بقسيس يدعى "فالنتاين"، فكل ما يقومون به هو نوع من افتعال العاطفية والمشاعر المجانية واجتراح الأحمر ببغاوية، وإذا أخذنا الأمر على قدر عقولهم، فسنجد أن البعض يحتفل به دون أسباب"عاطفية"واضحة، فقط من باب "ابحتفل وإلا بخرب"!

وصدق من قال في رسالة جوال تبحث عن عقل مدرك يفهمها:

زوّروا في عصرنا وزيّنوا للحـب عيـد

واكتسى بالثوب الأحمر زينته حمر الثياب

والهدايا لا تجازي بين ورد وبيـن غيـد

والتعهد بالمحبة من دفـئ ليـل العتـاب

والسهر في جو مذنب يجلب الهم البعيـد

في مساءه كم يحضن قلب بنت وقلب شاب

أتستطيعون أن تحبوا بصدق؟!

لن نقرر على شخص ما كيف يفكر وماذا يحب، لكننا ندرك أن الشاعر الحقيقي لن يؤمن بمناسبة تحنط شعوره بالحب ضمن باقة حمراء سخيفة وفي يوم واحد من السنة، بالطريقة ذاتها التي يرفض بها المحب الصادق أن "يؤدلج" قلبه، ويختصر مشاعره في تظاهرة وقتية مرتجلة لسبب بسيط هو أن الصدق يجعل من الحب احتفالا دائما يتكرر في كل لحظة.

المصدر